بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى :
وإذا إبتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن . قال : إني جاعلك للناس إماما.
قال :ومن ذريتي .قال : لا ينال عهدي الظالمين .
سورة البقرة -الاية 134
في استعراض هذه الاشارات الموحية والوقفات العميقة الدلالة والايضاح القوي التاثير
من هذا البيان المنير يقول تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم :
اذكر ما كان من ابتلاء الله لابراهيم بكلمات من الاوامروالتكاليف فاتمهن وفاء وقضاء...
وقد شهد الله سبحانه لابراهيم في موضع آخر بالوفاء بالتزامه على النحو الذي يرضى الله تعالى
عنه فيستحق شهادته الجليلة : وابراهيم الذي وفى ...
وهو مقام عظيم ذلك المقام الذي بلغه ابراهيم. مقام الوفاء والتوفية بشهادة الله عز وجل .
والانسان بضعفه وقصوره لايوفي ولا يستقيم !
عندئذ استحق ابراهيم الوفي عليه السلام تلك البشرى أو تلك الثقة :
قال : إني جاعلك للناس إماما ...
إمام يتخذونه قدوة ويقودهم إلى الله تعالى ويقدمهم إلى الخير ويكونون له تبعا ويكون لهم قيادة .
عندئذ تدرك إبراهيم عليه السلام فطرة البشر : الرغبة في الامتداد عن طريق الذراري والاحفاد .
ذلك الشعور الفطري العميق الذي أودعه الله تعالى فطرة البشر لتنمو الحياة وتمضي في طريقها المرسوم
ويكمل اللاحق ما بدأه السابق . وتتعاون الاجيال كلها وتتساوق...
ذلك الشعورالذي يحاول البعض تحطيمه أو تعويقه وتكبيله وهو مركوز في أصل الفطرة
لتحقيق تلك الغاية البعيدة المدى.
وعلى أساسه يقرر الاسلام شريعة الميراث تلبية لتلك الفطرة وتنشيطا لها لتعمل
ولتبذل أقصى ما في طوقها من جهد .
وما المحاولات التي تبذل لتحطيم هذه القاعدة إلا محاولة لتحطيم الفطرة البشرية في أساسها
وإلا تكلف وقصر نظر واعتساف في معالجة بعض عيوب الاوضاع الاجتماعية المنحرفة .
وكل علاج يصادم الفطرة لا يفلح ولا يصلح ولا يبقى .
وهناك غيره من العلاج الذي يصلح الانحراف ولايحطم الفطرة .
ولكنه يحتاج إلى هدى وإيمان وإلى خبرة بالنفس البشرية أعمق وفكرة عن تكوينها أدق
وإلى نظرة خالية من الأحقاد الوبيلة التي تنزع إلى التحطيم والتنكيل أكثر مما ترمي إلى البناء والصلاح .
قال : ومن ذريتي ؟ ...
وجاءه الرد من ربه عز وجل الذي ابتلاه واصطفاه يقرر القاعدة الكبرى التي أسلفنا ...
إن الامامة لمن يستحقونها بالعمل والشعور وبالصلاح والايمان وليست وراثة أصلاب وأنساب .
فالقربى ليست وشيجة لحم ودم إنما هي وشيجة دين وعقيدة .
ودعوى القرابة والدم والجنس والقوم إن هي إلا دعوى الجاهلية التي تصطدم إصطداما أساسيا بالتصور الايماني الصحيح :
قال : لاينال عهدي الظالمين ...
والظلم أنواع وألوان :
* ظلم النفس بالشرك
*ظلم النفس بالبغي
*الامامة الممنوعة على الظالمين تشتمل كل معاني الامامة :
إمامة الرسالة وإمامة الخلافة وإمامة الصلاة... وكل معنى من معاني الامامة والقيادة .
فالعدل بكل معانيه هو أساس إستحقاق هذه الإمامة في أية صورة من صورها .
ومن ظلم ( أي لون من الظلم ) فقد جرد نفسه من حق الامامة وأسقط حقه فيها بكل معنى من معانيها .
وهذا الذي قيل لخليل الله إبراهيم عليه السلام
وهذا العهد بصيغته التي لا إلتواء فيها ولا غموض قاطع في تنحية اليهود عن القيادة والامامة
بما ظلموا وبما فسقوا وبما عتوا عن أمر الله عز وجل وبما انحرفوا عن عقيدة جدهم إبراهيم عليه السلام .
وهذا الذي قيل لخليل الرحمن عله السلام وهذا العهد بصيغته التي لا التواء فيها ولا غموض قاطع
كذلك في تنحية من يسمون أنفسهم المسلمين اليوم .
ذلك بما ظلموا وبما فسقوا وبما بعدوا عن طريق الله وبما نبذوا من شريعة وراء ظهورهم ...
ودعواهم الاسلام .
وهم ينحون شريعة الله ومنهجه عن الحياة دعوى كاذبة لا تقوم على أساس من عهد الله .
إن التصور الاسلامي يقطع الوشائج والصلات التي لا تقوم على أساس العقيدة والعمل .
ولايعترف بقربى ولارحم إذا انبتّت وشيجة العقيدة والعمل
ويسقط جميع الروابط والاعتبارات ما لم تتصل بعروة العقيدة والعمل ...
وهو يفصل بين بين جيل من الأمة الواحدة وجيل إذا خالف أحد الجيلين الآخر في عقيدته بل يفصل بين :
الوالد والولد والزوج والزوج إذا إنقطع بينهما حبل العقيدة .
فعرب الشرك شيء وعرب الإسلام شيء آخر ولاصلة بينهما ولاقربى ولا وشيجة.
والذين آمنوا من أهل الكتاب شيء والذين انحرفوا عن دين إبراهيم وموسى وعيسى شيء آخر .
لاصلة بينهما ولاقربى ولا شيجة ...
إن الأسرة ليست آباء وأبناء وأحفاد..
إنما هي هؤلاء حين تجمعهم عقيدة واحدة .
وإن الأمة ليست مجموعة أجيال متتابعة من جنس معين ...
إنما هي مجموعة من المؤمنين مهما إختلفت أجناسهم وأوطانهم وألوانهم...
وهذا هو التصور الإيماني الذي ينبثق من خلال البيان الرباني في كتاب الله الكريم .
شكرا لكم على المتابعة
في حفظ الحنان المنان
Yk hgHlm gdsj l[l,um H[dhg ljjhfum lk [ks ludk >>>