من يتحكم بالماضي يتحكم بالمستقبل .. من يتحكم بالحاضر يتحكم بالماضي ..
"جورج أورويل"
منذ أول لحظة تدرك فيها حواسنا وجود آبائنا تتبدى لنا الحياة مثلما هي ظاهريا . وبدون ذنب منا أو منهم يبدأ آباؤنا عملية برمجتنا وفقا لرؤيتهم للحياة ، هذه الرؤية التي تشربوها من خلال التعليم ومن خلال عملهم ومن خلال وسائل الإعلام . ثم يتابع التعليم الرسمي من خلال المدارس و الكليات والجامعات الرسمية بتزويدنا بالأفكار حيث تعتبر وجهات النظر والتفسيرات " التي تعتبر الصحيحة " المتعلقة بالعلوم وبالتاريخ وبالمجتمع هي الأفكار ذاتها التي تضمن لنا اجتياز الامتحانات النهائية وتمنحنا القدرة على السير قدماً في الحياة . أم اتباع وجهات النظر المخالفة لما نتعلّمه رسمياً و رفض التعليم المنهجي التقليدي يؤدي وفقاً للاعتقاد السائد إلى تناقص فرص الفرد في الحصول على عمل أو وظيفة محترمة و إلى الشقاء في الحياة نتيجة للفقر المادي . إن كل فهمنا للعالم والأحداث الدولية الجارية نستسيغها من خلال وسائل الإعلام ، ثم يتم تحليلها و صياغتها من قبل الصحافيين و الخبراء المزعومين . لتصبح أفكارهم ببساطة هي أفكارنا و قناعاتهم هي قناعاتنا خاصة و أنه لم يتوفر لدينا أي بدائل أخرى للمعلومات . و لنتغلب على مشاكل مجتمعاتنا اليومية و الصعوبات التي نواجهها فقد وكلناها إلى النواب المنتخبين من قبل المجتمعات . لقد سلمنا إمكانياتنا في صنع القرار لهؤلاء القلة الذين هم بعيدين جداً عنا و عن همومنا اليومية .
يتم تحديد تجربتنا في الحياة وفقاً للإطار العام الذي يحكم مجتمعنا . المبدأ الأساسي أصبح توجّب اقتصار طموح الفرد إلى أن يكون جزءا صغيراً من ماكينة الإستهلاك العالمية التي تقودها المصارف والشركات الغربية والمتعددة الجنسيات . وجميع الاعتبارات الأخرى تدور في فلك دافع رئيسي هو الربح . ومن الواضح أن أصحاب النفوذ ( من سياسيين، ومصرفيين، و مديرو الشركات، وأباطرة الإعلام ) كانوا، وبحسب تعريفهم، "ناجحين" في ظل هذا النظام القائم ، لذا فإن لديهم مصلحة في المحافظة على الوضع الراهن مهما كلف الأمر . و هذا النظام الفكري الملتوي يصيغ جميع نواحي حياتنا من خلال التربية والإعلام و الرعاية الصحية و الأحداث الرياضية والثقافية و الدين .... إلخ .
و في هذا الوضع الراهن ، يقوم هذا النظام الملتوي بتنظيم نفسه بنفسه : الأفراد اللذين لهم وجهات نظر و ميول منحرفة تلائم استمرارية هذا النظام يكتسبون المنزلة والنفوذ فيه ، و أولئك الذين يوافقون على قواعد هذا النظام و قوانينه يجدون بسرعة أساليب مناسبة لفرض و تطبيق هذه القواعد ، أما الذين لديهم كان لديهم منفعة كبيرة في النظام الاستهلاكي فيعتلون المناصب المناسبة للمساعدة على تعزيز مبدأ السوق الاستهلاكية عن طريق تسويقها بأساليب ملتوية . وبغض النظر عن الكيفية التي تم من خلالها نشوء هذا النظام المنحرف البغيض ، فالحقيقة هي أن هذه النوعية من الناس المنحرفة المناسبة لهذا النظام أصبحت تحكم عالم الثقافة و الإعلام و الحكومات والمصارف ، و ذلك يؤدي إلى سطوة تأثيرهم الذي لا يمكن كبحه على جميع مناحي حياتنا و أفكارنا وآرائنا و معتقداتنا .
إن الأكثرية الساحقة من سكان العالم هم مجرد خراف تتبع القطيع بسعادة و هناء . و كل ما تنشره وسائل الإعلام و تدعي بأنه مرغوبٌ به من قبل الجماهير ، يصبح فجأة ، و بشكل لا يصدق ، مرغوباً من قبل الجماهير فعلاً . و أيا تكن ممتلكات أو منجزات جارنا فإنها تصبح موضوع حسد كبير ونتلهّف للوصول إلى ما نعتقد أنه لنا ومن حقنا . و عندما يعرض علينا حل لمشكلة ما ، أي مشكلة تكون عقبة أمام سيرنا في إتباع آخر الصرعات و العيش الملتوي الرغيد ، فإننا نقبله بدون مناقشة ونتوقف عن البحث عن حل يناسبنا و يناسب وضعنا . غالباً ما تكثر المشاكل ، لكن لا بد من أن تأتي بعدها الحلول . هذه هي سنة الحياة . لكن الغالبية العظمى تختار أسهل الحلول وأكثرها مكسباً ، أما الأقلية فتُداس تحت الأقدام خلال السباق المجنون الهائج نحو نيل آخر المقتنيات المثيرة و الصرعات التقنية السخيفة . لقد أصبحنا مجتمعات استهلاكية تماماً . و كما الخراف التي تتبع القطيع بشكل أعمى ودون أن تسأل عن الاتجاه ، ننقاد من خلال بوابات الزريبة كي نسرح وفق مزاج الراعي ، إلى أن تحين الرحلة الأخيرة ، و مرة أخرى و بدون تردد ومع سعادتنا بمعرفة أننا من ’ضمن الحشد’ ، نسير عبر البوابات ، لكن هذه المرّة يكون السير نحو المسلخ . هذا الإطار العام الذي يحكم الشعوب لم يُبنى بالصدفة ولم يظهر بشكل عرضي . إنه سياسة مقصودة تم تطبيقها باستمرار عبر قرون . حتى أنها اليوم في هذا العصر الحديث ، أصبحت أكثر رسوخاً و أكثر سوءاً من العصور السابقة . و في الفصل التالي سنكشف عن هوية هؤلاء الرعاة و أساليبهم و دوافعهم .
منذ زمن بعيد جداً ، فإن المعارف السرية ، والتي سأذكرها باختصار في السطور اللاحقة ، تم حجبها عن أغلبية الناس في جميع أنحاء العالم . و هذه العلوم السرية كانت من بقايا معارف الحضارات المتطوّرة جداً و المندثرة منذ زمن سحيق ، مثل حضارتي أطلنتس و راما الاسطوريتين . و قد تلاشت هذه المعارف المتطوّرة تدريجيا و ضَعُفَت نتيجة لكوارث كبيرة حلّت بالأرض و ما عليها ( كالطوفان العظيم ) ( اقرا كتاب
التاريخ المحرّم ) . و لكن مع مرور الوقت و عبر العصور المتعقبة عادت هذه المعلومات المفقودة للبروز في الوعي الجماعي للبشر من خلال الأنبياء والأشخاص الموحى لهم . فأتباع مدارس الأسرار الكبرى (Great Mystery Schools) ، كنظام إسين (Essene) ، قاموا بعزل أنفسهم عن باقي البشر كي يحافظوا على هذه المعارف و تناقلوه عبر الزمن بواسطة تابعين مختارين بعناية . هؤلاء التابعون كانوا حكماء ومتصوفين كما كانوا أيضاً فقهاء ، و أطباء يعملون في شفاء الناس ، و فلاسفة ، كفيثاغورس الذي كان كما يقال متأثراً جداً بحضارة درويد ( درويد تطلق على الكهنة لدى قدامى الإنكليز ) (Druid culture ) .
تم المحافظة على السرية من قبل هذه الجمعيات الخفية لتجنب الاضطهاد ولكي لا تقع المعارف القوية جداً في أيدي من قد يستخدمها لغايات غير مستقيمة . تشوّهت هذه المعارف و أختلطت بشوائب من الأساطير والخرافات حيث غالباً ما تناقلتها الأجيال المتتالية شفهياً ، كما كانت الحال مع الكهنة السيلتييين ( بلاد السيلت هي منطقة في أوروبا ) (the Celtic Druids ) حيث تم تشفير جميع الوثائق المكتوبة فتحوّلت إلى رموز ، ولم يكن يعرف كيفية فك الشيفرة سوى الأتباع المنتقين بعناية . وقد حصلت اللقاءات بين هؤلاء الكهنة في جميع أنحاء العالم وتم المحافظة على السرية من خلال الرموز و الشيفرات السرية التي تشير إلى أماكن التقائهم . ويتم تطبيق هذه الطريقة حتى اليوم بين المجموعات السحرية و المحافل الماسونية المختلفة .
في النهاية فإن عددا كبيرا من المجموعات ، والتي كانت أولاً عبارة عن أقسام فرعية من النظام الأساسي ، بدأت تفقد بصيرتها الحقيقية ، و راحت تتخلى عن معتقداتها الروحانية الأصيلة . وساهم التحريف التدريجي للشيفرات و الرموز التي مثّلت تعاليمهم و كذالك الخرافات و الأساطير بالإضافة إلى ظهور الرغبات الأنانية في تباين الأهداف و المقاصد بين هذه المجموعات . وبعضها تطوّرت لتصبح منظمات سحرية أو حتى أدياناً كبرى أيضاً . لكن هذا لم يجعلها محصّنة ضد الوعي الشيطاني ( مصدر النوايا الشريرة ) الذي أدى إلى أن تصبح معظم الديانات العقائدية تقوم على سوء فهم للحقائق الأساسية الكبرى حيث ابتعدت عنها تماماً .
تم تضخيم الاختلافات بين المعتقدات مما زاد الشرخ أكثر و أكثر ، حيث برز الاهتمام بالاختلافات العقائدية و العرقية حيث أصبحت أولويات مهمة في الوقت الذي قللوا فيه من أهمية الأواصر المشتركة بين أتباع هذه المعتقدات – كل ذلك بسبب تحريف المفاهيم و المعارف التي هي أساساً من مصدر واحد ، أصل واحد ، فلسفة واحدة .. جميع أديان العالم تشترك بأصولها الوثنية ولكنها قامت تدريجياً بإبعاد بصيرتها رويداً رويداً بحثاً عن الحقيقة ، إلى أن ابتعدوا عن الحقيقة تماماً .
رغم هذا كله ، بقي هناك بعض المدارس السرّية النقية التي صمدت عبر العصور . كالسحرة المصريين القدماء ، الفلاسفة الإغريق القدماء ، كهنة الدرويد السلتيين ، الشامانيين عند هنود أمريكا ، الشامانيين بين شعوب استراليا الأصليين ، الكهنة الشرقيين ( التبت ) ، و غيرهم .. جميعهم حازوا على معرفة سرّية تكشف عن الحقائق الكونية الكبرى . و المختارين من بين هؤلاء ، كان يتم الاعتناء بهم ( حيث اعتبروا رجال مقدسين ) من قبل عامة الناس ، و كانوا معزولين عن الحياة اليومية التي تدنّس طهارة تفكيرهم حيث أن عملهم هو هام جداً يمثّل المحافظة على توازن الحياة الماورائية لمجتمعهم الدنيوي .
lh ,vhx hgjhvdo hgfavd