يقال أن التربية بالمقارنة من أمهر أساليب التربية وأفضلها ولها مدراسها التي تنتصر لها على مستوى العالم
فالإنسان بطبيعته ميال للتقليد ولهذا فإنك تجد في القرآن مواطن كثيرة تدل على ذلك أو تشير إليه
( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) ( فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم ) ( وكذلك ما أرسلنا من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون ) ( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) ( بل قالوا مثما قال الأولون ) ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ) ( ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم ) ( كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق )
وليس هذا موضع تتبع وإنما إشارة إلى المعنى ، ومن هذا المنطلق أحببت أن أنقل لكم موقفين اثنين يتبين لنا فيهما الأدب مع الله وضده ...
أول هذين الموقفين لنبي الله موسى عليه السلام عندما دخل إلى المدينة فوجد خلافا بين رجل من قومه ورجل من قوم فرعون يقول الله جل وعلا في هذا الموقف : ( ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه ) هنا عقب هذه الحادثة مباشرة ترى موسى عليه السلام يقر بذنبه ويعترف به ويستغفر الله منه ( قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ، قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ) ثم يأتي بعد ذلك تلطف في الخطاب واعتراف بالنعمة وشكر للمنعم في قوله ( قال رب بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين )
من يتأمل هذه القصة وحال موسى عليه السلام وأدبه مع الله وهو لم ينبأ بعد يجد فيها معانٍ راقية سامية وتوفيق من الله جل وعلا لأنبيائه الذين هم صفوة خلقه والذي جعلهم الله منارات للبشرية يهتدون بأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم فحري بنا أيها الأحبة الكرام أن نتعلم من هذا الهدى النبوي وأن نسير في ركب أولئك القوم فثم الشرف والعزة في الدنيا والآخرة ...
وهنا في ثاني المواقف أو القصص مشهد على النقيض من المشهد الأول وهو لعدونا جميعا ابليس عليه لعنة الله يقول الله جل وعلا في القرآن على لسان ابليس ( قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين ) ويقول في موقع آخر ( قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ) ولعل أي قارئ للقرآن أو على الأقل لما كتبته هنا من أدب الأنبياء مع ربهم جل وعلا يجد بين هذا الخطاب وبين خطاب الأنبياء بونا شاسعا وفرقا واضحا فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ينزهون الله عما كل عيب ولا ينسبون الشر إليه تأدبا معه جل وعلا وتلطفا بل ومعرفة تامة بأن الله جل وعلا أكرم الأكرمين فهو من خلق ورزق ورعى ووفق وهدى وأسبغ علينا النعم ظاهرة وباطنة أما إبليس عليه لعنة الله فينسب ضلاله وغوايته لله وانظر يا رعاك الله إلى اعتراف موسى بالذنب وإصرار إبليس وكبره عن الاعتراف بالخطأ فضلا عن التوبة أو الاستغفار منه ...
وفي غير ذلك عبر وإنما أردت ضرب مثال عل الله أن ينفع به كاتب هذه الكلمات أولا ثم كل من مر عليها أو سمع بها ، هذا وإن كان فيما كتبت من صواب فمن الله وحده وإن كان فيها من خطأ أو زلل فمن نفسي والله ورسوله برئيان من ذلك ، وفق الله الجميع لطاعته والله من وراء القصد ...