نشأت مدللا
نشأت مدللا ولم أدر كيف أسرع بي عمري ،
فتجاوزت الطفولة والمراهقة في لمح البصر .
تمرنت على الزعامة في بيت أهلي ، وعلى الخطابة بين أبناء الحي .
اعتدت التصدر وألفت المدح والإطراء .
اختارني الكهول المتخلى عنهم ، زعيما لهم .
أغلب الأعضاء وضعوا أيامهم أمامهم لشذب أطرافها التي جفت .
وتعهد اليافع منها ورعايته .
قدت الجماعة بشغف وحرص وفخر .
أنا فقط ، الذي يرى ويسمع ،
والذي يكتب ويقرأ ،
والذي يدبر ويسير ويتواصل .
أشتغل فيهم طبيبا وسائسا ، وحكيما وحاكما .
لا رأي غير رأيي ، ولا استشارة إلا معي .
عم احترامي وشاع تقديري .
اعتاد الناس مناداتي باسم :
السيد الرئيس .
حتى أن اسمي الحقيقي عاد غريبا عني ، أكاد لا أعرفه .
ثم تهامس القوم بتفاقم نزواتي .
فأجمعوا على التخلي عني ، وتجريدي من مهامي .
اختفيت بعيدا عن أعين الشماتة
" كما يختفي السمان في أدغال القصب " .
لم أتحمل التخلي عن الصيد في الماء العكر .
فبحثت لنفسي عن وسط آخر أتأمر فيه .
أعياني البحث وشاخت الكلمات في حلقي .
اغتنمت غياب أهلي ، ولجأت إلى القاعة الكبرى بالبيت .
صففت الوسائد جمهورا افتراضيا . وأمامها نصبت منصتي .
فأخذت منها أخاطب جمهوري وأعدد مزاياي ،
وأستعرض برامجي وأفسر خططي .
أقاطع حديثي بين الحين والحين بالتصفيق والهتاف
نيابة عمن أتوهمهم يتتبعون صياحي .
وفجأة .. استسلم هواء القاعة وانتحر .
انتشر وباء غريب بين الوسائد فلمحتها تحتضر .
انسحبت في هدوء .
في اليوم الموالي قررت نقل الحملة إلى أرض مخضبة بعشب الهجير ،
لتحتضن بعناية أفكاري الهاربة .
قصدت سفح جبل شامخ وقور ،
مكلف بمراقبة مدن الأشلاء الجاثية بين قدمي الأخشبين .
اعتبرت الصخور المسننة المتناثرة هنا وهناك ، جمهور المعجبين
اخترت إحدى الأكمات .
جلست على كتفها مثل البومة المفزوعة .
أعطيت الإشارة لتوزيع الموائد وإكرام الوافدين من كل حدب وصوب .
وخلال انكباب أصناف الجمادات على تناول الوجبات بنهم ولهفة .
أخذت أتلو خطابي بصوت جوهري قوي ورنان .
لا أسمع سوى رجع صوتي المنكسر على صفحات الصخور .
لن تصل كلماتي مسامع الرفاق القدامى .
الخطايا التي لطخت ملابسي ، لايذيبها العويل .
أمني نفسي ببطولات لن تأتي ، ومنجزات لن تتحقق .
صادفني بعض المارة إزاء مكان تواجدي .
وجدوني منهمكا في نشر قميصي على الأطلال .
آمل أن يجففه لهيب الحر من بلل الوزر السميك .
تأكد المارة من إصابة عقلي ، فاحتالوا علي واقتادوني
قسرا إلى مصحة المجانين ...
kaH l]ggh lvhirm lvpfh hg`d hgf`,v hgp[l hg, hg;glhj hsli vhzu vshgm wtphj rwm ;glhj