معدل تقييم المستوى: 18 | العشق خلاصة ثقافية [frame="2 80"] [align=justify]يأخذ خطاب العشق بنسقه هذا زمناً ثقافياً طال وتمدد,منذ ظهور نصوص الغزل والمحبة,وعلى امتداد زمن الثقافة مع كل تحولاتها,العذري منها والرومانسي والحداثي,إلا ماندر من خطاب الحداثة.
وهذا يشمل الذاكرة الجمعية للثقافة,حتى لنجد المواويل والأغاني والموشحات,وسائر خطابات الحب حتى المحكي منها والعامي والزجلي,كلها تدور حول سمات محددة لاتخرج فيها عن ذلك الذي هواه أعزه وأذل العاشق,وعو المحب الواحد قاتل الكل,والمصروعين كثر,وليس واحداً فحسب,وهو ابتلاء وجنون وفضيحة.
هذه هي صورته المعتقة في الخطاب,بينما الحكم عليه عقلياً هو واحد,فالكل يذم الهوى ويراه مرضاً حتى العذري منه صار ظاهرة مرضية وفسقاً – حسب كلمات العظم – وهو خطاب كاذب ومغشوش.
وفي خلاصة ثقافية نجد غادة السمان تكتب كتابة تكشف عن كل قيم المحبة وتشخصها في كلمات محدودة وعميقة وكاشفة.ولئن كانت المرأة قديماً مكممة الصوت ولادليل عليها سوى ماتوصف به كغياب ومضمر,أو مايقال على لسانها,إلا أنها أخيراً تكلمت,ولكن ماذا ستقول..؟
لنقرأ كلمة غادة السمان:
"حبيبي إلسان فالنتان: أجهل تكنولوجيا الحب,ولكن ثمة الكثير من الأوهام الأكبر من الحقائق,والحب من بينها وأنت شفيعه,وثمة كلمات تلاشت عن أوراقنا مع الألفية المنصرمة وبقيت كلمة الحب,صحيح انها للسخرية تارة,وتبدو أسماً حركياً للكذب تارة أخرى,ولكن راية تلك الكذبة الصاعقة مازالت مرفوعة فوق الأعصاب المتوترة الهاذية,ولاتزال ورقتي البيضاء تكتب لي: ياحمقاء,إذا ترددت في كتابة رسالة حب عليها.
ياحبيبي إلسان فالنتان :تعامل رعاياك كديكتاتور من العالم الثالث لكننا نحبك ونغازلك حتى لو هددوا دم الورقة التي نكتب عليها لك,ففي زمن الكراهية ثمة من يركض الى الملجأ حين يسمع كلمة حب,ويدق طبول الحرب,ويقرع صفارات الإنذار ويطلق النار على حرفين: الحاء والباء,أو يحاول الزج بحرف الراء بينهما.
ياعزيزي إلسان فالنتان: كنت دائماً منحازة إليك,فأنا أعشق الحب وأتحاشى الحبيب,لذا لاأريد أن تظل تنتظرني لأنني لن أحضر,وتحب ثرائي لأنني فقيرة,وسطوتي لأنني وحيدة مشردة وهامشية,وتصدقني لأنني الكذب الذي لايرقى إليه الشك.
وأريد أن اظل احبك لأنك تسقيني عطشي فأرتوي,وتأمرني بالكف عن الثرثرة حين أصمت,وأجد في زلزالك استقراري وأنتمي الى زئبقك الهارب خارج الأوعية,وليطل الفراق هو اللقاء اليومي لنا,ودمت لغير المخلصة".
هذه رسالة تلخص تاريخ خطاب العشق ونسقيته,وغادة السمان حينما كتبت هذه الرسالة فإنها تكتبها باسم بشري كامل وباسم ثقافة بشرية راسخة,وهي تضع صيغاً تعبيرية عصرية لمفردات أزلية.
إنها تحب الحب,وتتحاشى الحبيب,وهي كاذبة في خطاب حب كاذب,وهي هامشية ووحيدة,وغائبة غياباً حسياً ومعنوياً حاضراً ومستقبلاً,وهي الإمكان المستحيل.وهي أخيراً غير المخلصة.تلك سماتها المنطوقة باعترافها وتحديدهاووهي سماتها على مدى عمر خطاب الحب كله.
أما العاشق فهو: دكتاتور والكل رعاياه,يأمر فيطاع,وهو زئبقي خادع غير قابل للإمساك.وهو زلزال.
في حين الحب هو الوهم.وهو الاستقرار الكاذب والحق المزيف.
أما الكل من جمهور الثقافة فهم الذين ابتكروا حرفاً يفصل بين الحاء والباء ليقتل الحب,ويجعل السراء فاصلا يقصم ظهر العلاقة,ويحولها الى (حرب),وتأتي الراء لتخلق نوعاً من العلاقة الفحولية بين الطرفين,ولئن كانت الحاء هي العاشق والباء هي المعشوق,فإن الراء تأتي بينهما لتعيد صياغة هذه العلاقة وتكون حرباً ضد الحب وضد الخطاب,وهذا ماجرى حيث نحب الحب ونتحاشى المحبوب.
وهذا ملخص ثقافي دقيق لحكاية خطاب الحب,هذا الزواج السردي بين جنسين,لم تسلم الحاء في طريقها الى الباء حتى خامرتها الراء.
ماهذه الراء المغروسة بين الحربين...؟
إنها ولاشك راء ثقافية نسقية,هي راء النسق الفحولي,الذي لايسمح لعلاقة مثالية إنسانية بين طرفين من أطراف النسق,بين المتن والهامش,لأن علاقة سوية بين المتن والهامش سوف تعيد صياغة النموذج الفحولي,وتفسد لعبة النسق وانضباطيته وتحكمه.وأول أنواع فساد العلاقة هو في تأنث العاشق وتهشم فحولته وتحييد سطوته وتقريب رأسه للأرض.وهذا يدق جرس الإنذار الفحولي,حيث تهب الثقافة مهيبة بحراسها لكي يظهروا واحداً إثر واحد في حشد نسقي يطرد الطارىء في ثورة مضادة تحفظ حق النسق وتعزز سطوته.
ولئن كان خطاب العشق هو الخطاب الأكثر إنسانية في مقابل خطاب التفحيل والفحولة النسقية,فإن الثقافة المتلبسة بالنسقية لايمكنها أن تترك الأمر يفلت من يدها,ولذا نتآمر كلنا ضد الحب,فنزيفه ونحوله من خطاب مقبول الى خطاب مذموم,ونمنعه من الواقعية,ونجعله نقيض القوة والعقل والرجولة والعملية,وتصوره بصورة سلبية ومنفرة,وهذا كله من أثر سطوة النسق,حيث تفرض شروط الثقافة نوعاً من العمل الثقافي تجعلنا نتصرف ضد أي فرصة للتحرر,وقد نعمل ذلك تحت مسمى التحرر,كما جرى لصادق جلال العظم,الذي باسم الحرية والتنوير راح يفرض قوانينه الفحولية الخاصة في مسخ خطاب الحب ونقضه,واستبدال فرمان بيروقراطي به,ينظم حياة البشر في قوانين الأمر والنهي والتنظيم الذكوري.حتى ليبدو البشر وكأنهم رعايا للسيد,كما حددت غادة السمان.
ينتهي الزواج السردي في الشعر وخطابات الحب ليكون جنوسة نسقية,تعيد تأطير البشر حسب قوانين التفحيل.وتضبط علاقتهم باسم التدقيق بين متن وهامش وقيم فحولية تقاوم كل ماهو إنساني إندماجي[/align].__________________________________________________ _______________________
[align=center]للافـــــــــــــــــــــادة : مــــــــــــــــــــــروة[/align][/frame]
hguar oghwm erhtdm تسهيلاً لزوارنا الكرام يمكنكم الرد ومشاركتنا فى الموضوع بإستخدام حسابكم على موقع التواصل الإجتماعى الفيس بوك
|