مسلم ,
أصحاب ,
مصر ,
موسى ,
لقي ,
الله ,
المؤمن ,
الذي ,
البلاغة ,
التاريخ ,
التي ,
الحل ,
الحديث ,
الخير ,
الحر ,
الحسن ,
الرد ,
الرحيل ,
الرعب ,
الصلاة ,
الصحابة ,
الصحيح ,
السيرة ,
العالم ,
الو ,
النبوة ,
النهاية ,
الطريق ,
القرآن ,
الكريم ,
بدر ,
بيع ,
رمضان ,
رحيل ,
رسالة ,
سفر ,
سنة ,
زوج ,
علم ,
عمري ,
عمرو ,
غريب ,
نبي ,
نشأ ,
نقل ,
طالب ,
كامل ,
كتب ,
كشف أعقب أبو سفيان خلفه ابنه معاوية بن أبي سفيان ، أُمه هند بنت عتبة ، زوجة أبي سفيان صخر بن حرب ، التي شهدت معركة أُحد مع المشركين وكانت تحرضهم على قتال المسلمين ، وقد أمرت هند في معركة أُحُد غلامها وحشياً بقتل أحد الثلاثة : (محمد (صلّی الله عليه وآله وسلّم) ، علي (عليه السلام) ، حمزة (عليه السلام)) . فقتل وحشي حمزة ، فلمّا قُتِلَ حمزة (عليه السلام) وثبتْ عليه فمثلت به وشقّت بطنه واستخرجت كبده ، ثمّ علت على صخرةٍ مشرفة على المُسلمين وقالت :
نَحن جزيناكم بِيَوْم بدر *** وَالْحَرب بعد الْحَرْب ذَات سعر
مَا كَانَ لي عَن عتبَة من صَبر *** وَلَا أخي وَعَمه وبكري
شفيت نَفسِي وقضيت نذري *** شفيت وَحشِي غليل صَدْرِي
فَشكر وَحشِي عَليّ عمري *** حَتَّى ترم أعظمي فِي قَبْرِي
فأجابتها هِنْد بنت أُثَاثَة بن عبّاد بن الْمطلب ، فقالت :
خَزِيتِ فِي بَدْرٍ وَبَعْدَ بَدْرٍ *** يَا بتَ وَقَّاعِ عَظِيمِ الْكُفْرِ
صَبَّحَكَ اللَّهُ غَدَاةَ الْفَجْرِ *** مَلْهَاشِمَيَّيْنِ الطِّوَالِ الزُّهْرِ
بِكُلِّ قَطَّاعٍ حُسَامٍ يَفْرِي *** حَمْزَةُ لَيْثِي وَعَلِيٌّ صَقْرِي
إذْ رَامَ شَيْبٌ وَأَبُوكَ غَدْرِي *** فَخَضَّبَا مِنْهُ ضَوَاحِي النَّحْرِ
وَنَذْرُكَ السُّوءَ فَشَرُّ نَذْرِ
وقالت هِنْد بنت عتبة أيضاً :
شفيت من حَمْزَة نَفسِي بِأحد *** حَتَّى بقرت بَطْنه عَن الكبد
أذهب عني ذَاك مَا كنت أجد *** من لذعة الْحزن الشَّديد الْمُعْتَمد
وَالْحَرب تعلوكم بشؤبوب برد *** نقدم أقداماً عَلَيْكُم كالأسد
ثم لاكت كبد الحمزة (عليه السلام) فأرادت أكله لكنها لم تستطع ، وقِيلَ أنّها شوت مِنْهُ وأكلت القليل ولم يعلم أحدٌ بما فعلت بالجزء الباقي من كبد الحمزة (رضي الله عنه) . وبعد انتهاء حرب أُحدٍ قامت هند بتمثيل أجساد شهداء المسلمين ، وجعلت من آذان قتلى المسلمين وأنوفهم قلائد وأساور ، ثم ذهبت بأعضاء حمزة (عليه السلام) التي مثّلت بها إلى مكّة ، وكانت تقرأ الأبيات التالية :
نحن بنات طارق *** نمشي على النمارق
والمسك فِي المفارق *** والدر فِي المجانق
إن تقبلوا نعانق *** ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق *** فراق غير وامق
عن السيرة النبوية لابن كثير - الجزء (3) - الصفحة (74) :- «قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَوَقَعَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ - كَمَا حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ - وَالنِّسْوَةُ اللَّائِي مَعَهَا يُمَثِّلْنَ بِالْقَتْلَى مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم، يجد عَن الْآذَانَ وَالْأُنُوفَ، حَتَّى اتَّخَذَتْ هِنْدُ مِنْ آذَانِ الرِّجَالِ وَأُنُوفِهِمْ خَدَمًا وَقَلَائِدَ، وَأَعْطَتْ خَدَمَهَا وَقَلَائِدَهَا وقرطها وَحْشِيًّا. وَبَقَرَتْ عَنْ كَبِدِ حَمْزَةَ فَلَاكَتْهَا فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تُسِيغَهَا فَلَفَظَتْهَا» . وقد وصفها النبي (صلّی الله عليه وآله وسلّم) بآكلة الأكباد ، وكان أبناؤها يدعون بأبناء آكلة الأكباد ، وكان رسول الله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) يوم فتح مكّة قد أهدر دمها وأمر بقتلها ، فاختفت ثمَّ أتت رسول الله (صلّی الله عليه وآله وسلّم) فتسترت بالإسلام ، وكان بينها وبين زوجها في الإسلام ليلة واحدة .يُعدُّ معاوية المؤسس الرئيس للدولة الأموية ، الدولة التي اتخذت من الشام مقراً ومن دمشق عاصمةً لها ، وهو أول حاكم أموي استولى على الخلافة سنة 41 هـ ، وبقي في الحكم حتى سنة 60 هـ . ومعاوية هو اسم علم شخصي مذكر عربي ، وهو أسم فاعل من عاوى ، والعوي صوت ابن آوى ، ومعاوية هي انثى الكلب أو الثعلب . فعن تاج العروس من جواهر القاموس - الجزء (39) - الصفحة (130) :- «والمُعاوِيَةُ : الكَلْبَةُ المُسْتَحْرِمَةُ الَّتِي تَعْوِي إِلَى الكِلابِ إِذا صَرَفَتْ ويَعْوينَ إِلَيْهَا؛ قالَهُ الليْثُ» . (راجع أيضاً : المحيط في اللغة : ج1، ص128. ومعجم متن اللغة : ج4، ص258.)
وكانت حكومة معاوية أول تجربة لحاكم تمكن أن يتسلّم الحكم والقدرة من بين الخلافات الدينية والسياسية وحتى القبلية والإقليمية ؛ وذلك من خلال القوة والانتفاع من الحيل السياسية ، والتوازن والسيطرة على قوة القبائل ، وتأمين ولاية العهد لحكمه ، وتوطيد الأمن من خلال استعمال أقاربه كعتبة بن أبي سفيان ومروان بن الحكم ، وقد استخدم معاوية مبادئ الدين لتحكيم خلافته ، فكان يقول : "هذه الخلافة أمر من أمر الله ، وقضاء من قضاء الله" ! فعن مختصر تاريخ دمشق لابن منظور - الجزء (9) - الصفحة (85) :- «قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عَوَانَةَ : وَفِدَ زِيَاد إِلَى مُعَاويَة وَمَعَهُ أَشْرَافُ أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَرَجَزَ بِهِ ابْنُ حَنيقِ الْعَبادِي فَقَالَ : قَدْ عَلِمَتْ ضَامِرَةُ الْجِيَادِ *** أَنَّ الْأَمِيرَ بَعْدَهُ زِيَادْ . فَلَمْ يَصِلْ زِيَادٌ إِلَى مُعاويَة حَتَّى أَتَاهُ الْخَبَرُ وَمَا قَالَهُ ابْنُ حَنيقٍ وَإِقْرَارُ زِيَادٍ بِذَلِكَ ، وَمُعَاويَةُ يَرْبَصُ لِابْنِهِ مَا يَرْبَصُ مِنَ الْخِلافَةِ ، ثُمَّ أَذِنَ لِلنَّاسِ فَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ ، ثُمَّ دَخَلَ زِيَادٌ فَلَمْ يَدْعُهُ إِلَى مَجْلِسٍ حَتَّى قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَجَلَسَ فِي مَجْلِسِهِ ، فَحَمِدُ اللَّهِ مُعَاويَة وَأَثْنَى عَلَيْهُ ثُمَّ قَالَ : هَذِهِ الْخِلافَةُ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ، وَقَضَاءٌ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ ، وَإِنَّهَا لَا تَكُونُ لِمُنَافِقٍ ، وَلَا لِمَنْ صَلَّى خَلْفَ إِمَامٍ مُنَافِق يَعْرِضُ بِزيادٍ . حَتَّى عَرَفَ زِيَادٌ وَقَامَ النَّاسُ» .
وعندما خالفته عائشة بنت أبي بكرٍ في جعل يزيد ولي عهده والخليفة من بعده ، قال لها : "وإنّ أمر يزيد قضاء من القضاء ، وليس للعباد الخيرة من أمرهم" ! فعن مرآة الزمان في تواريخ الأعيان لسبط ابن الجوزي - الجزء (7) - الصفحة (357) - ذكر قدوم معاوية المدينة :- «لَمَّا كَتَبَ إِلَيْهِ مَرْوانُ يُخْبِرُهُ بِمَا جَرَى ، قَدِمَ الْمَدِينَةَ مُعْتَمِرًا ، وَذَلِكَ فِي رَجَبٍ ، فَدَخَلَ عَلَى عائِشَة ، فَحَمِدْتْ اللَّهُ وَصَلَتْ عَلَى رَسولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهُ وَسَلَّمَ - ، وَذَكَرَتْ سِيرَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَحَضَّتْهُ عَلَى الْإِقْتِدَاءِ بِهِمَا ، وَذَكَرَتْ يَزيدُ فَنَالَتْ مِنْهُ ، فَقَالَ لَهَا مُعاويَةُ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، أَنْتِ الْعَالِمَةُ بِاللَّهِ دَلِيلُنَا عَلَى الْحَقِّ ، وَحَظَظْتِنَا عَلَى حَظِّ أَنْفُسِنَا ، وَأَنْتِ أَهْلُ أَنْ يُطَاعَ قَوْلكِ ، وَيُمْتَثَلَ أَمْرُكِ ، وَقَدْ كَانَ أَمْرُ يَزِيد قَضاءً مِنَ الْقَضَاءِ ، وَلَيْسَ لِلْعِبَادِ الْخَيِّرَةِ فِي أَمْرِهِمْ ، وَقَدْ وكّدَ النَّاسُ بِبَيْعَتِهِ فِي أَعْناقِهِمْ ، وَأَعْطَوْهُ الْعُهودَ والْمَوَاثيقَ ، أَفْتَرينَ أَنْ يَنْقُضُوا عُهُودَهُمْ ؟ ثُمَّ قَامَ وَهُوَ يَقُولُ : تاللَّهُ مَا رَأَيُتْ خَطيبًا أَبْلَغَ مِنْ أُمِّ المُؤْمِنِينَ اليَوْمَ . قَالَ الشَّعْبيُّ : ثُمَّ صَعَدَ مُعَاويَةُ الْمِنْبَر وَقَالَ : إِنَّا قَدْ بَايَعْنَا يَزيدُ ، فَبَايَعُوا ! فَصَاحَ بِهِ الْحُسَيْنُ (عَلَيْهُ السَّلَامُ) : لَا وَلَا كَرَامَةَ ! أَنَا وَاللَّهِ أَحَقُّ بِهَا مِنْ يَزيدُ ! أَبِي خَيْرٍ مِنْ أَبِيهِ ، وَأُمِّي خَيْرٌ مِنْ أُمِّهِ ، وَجْدِي خَيْرٍ مِنْ جَدِّهِ ، وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ . يَا مُعَاويَةَ ! أَنْتَ أَعْلَمُ النَّاسَ بِيَزيدَ فِي لَيْلِهِ وَنَهَارِهِ ، وَسِرِّهِ وَعَلَانيَتِهِ ، وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى اللَّهِ ، فَاخْتَرُ لِنَفْسِكَ والْأُمَّةِ» . (راجع أيضاً : الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ج1، ص158. وتاريخ دمشق : ج68، ص256.)
وقال زياد بن أبيه والي معاوية وعامله على البصرة والكوفة في خطبته ، عن الأخبار الموفقيات للزبير بن بكار - الصفحة (114) :- «وَخَطَبَ زِيَادٌ حِينَ قَدِمَ الْبَصْرَةَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّا أَصْبَحْنَا لَكُمْ سَادَةً، وَعَنْكُمْ ذَادَةً، نَسُوسُكُمْ بِسُلْطَانِ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَانَا، وَنَذُودُ عَنْكُمْ بِنِعَمِ اللَّهِ الَّذِي خَوَّلَنَا، فَلَنَا عَلَيْكُمُ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحْبَبْنَا، وَلَكُمْ عَلَيْنَا الْعَدْلُ فِيمَا وُلِّينَا» . (راجع أيضاً : الكامل في التاريخ لابن الأثير : ج3، ص47.) وقد أشار لنفس المطلب ابنه يزيد ، وذلك في أول خطبة خطبها ، عن البداية والنهاية لابن كثير - الجزء (11) - الصفحة (467) :- «أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، أَكْرَمَهُ اللَّهُ وَاسْتَخْلَفَهُ وَخَوَّلَهُ وَمَكَّنَ لَهُ، فَعَاشَ بِقَدَرٍ وَمَاتَ بِأَجَلٍ، فَرَحِمَهُ اللَّهُ، فَقَدْ عَاشَ مَحْمُودًا وَمَاتَ بَرًّا تَقِيًّا وَالسَّلَامُ» . وقد ردّ معاوية على ابن عثمان حينما احتجّ على حكمه وتوليه يزيد خلفاً له على المسلمين ، وأنّ معاوية ما نال من الخلافة إلّا بواسطة أبيه عثمان ، فقال له : «فَإِنَّمَا هُوَ الْمُلْكُ يُؤْتِيهِ اللَّه مَنْ يَشَاءُ» . (الإمامة والسياسة لابن قتيبة : ج1، ص214) .
وكان أهل الشام ربائب معاوية ، فقد قِيلَ إنّ رموز بني أمية شهدوا عند السفاح العباسي بأنّهم لا يعرفون قرابة للنبي الأعظم (صلی الله عليه وآله وسلم) سوى بني أمية ! وكان معاوية يستخدم علماء السلطة كي يضعوا الأحاديث في فضيلته ومن ثم ينشرها بين الناس ، فقد صرف غاية مجهوده من خلال عناوين له كـ "كاتب وحي" و"خال المؤمنين" أن يعزز مكانته الدينية ، وقد حاول معاوية أن يستجذب من الشخصيات المرموقة القرشية لا سيما من حضر الشورى بعد عمر كي ينتفع منه سياسياً ، كما أنّ الإمام (عليه السلام) أشار إلى هذه الملاحظة وهي أنّ القرشيين المتواجدين في الشام لم يحضروا الشورى ولم يصلح لهم الخلافة . وقد بدّل معاوية الخلافة إلى مُلكٍ عضوض وبذل غاية مجهوده لبيعة ابنه يزيد وأنشأ دواوين كثيرة لإدارة دولته . استلم معاوية في عهد عُمَر بن الخطاب حكم ولاية الأردن ، كما ولّى عُمَر أخا معاوية يزيد جميع مناطق الشام ، ثم بعد وفاة أخاه يزيد بطاعون عمواس سلّم عُمَر بن الخطاب جميع الشامات إلى معاوية ؛ وذلك بعد أن كَسِبَت العائلة الأموية ثقة عُمَر بن الخطاب ونالت إعجابه ، يقول الحسن البصري : «كَانَ مُعَاوِية وَمُنْذُ خِلَافَةِ عُمَر يُمِهِّدُ لِلْخِلَافَةِ» . (تثبيت دلائل النبوة لعبد الجبار : ص593.) ويقول معاوية : «أَنَّ مَكَانَتَهُ عِنْدَ عُمَر جَعَلَتْهُ يَتَمَكَّنْ مِنْ رِقَابِ النَّاسِ» . (العقد الفريد لابن عبد ربه : ج1، ص15.) وعندما احتجّ جمهور المسلمين فيما يتعلق بمعاوية على عثمان ، كان عثمان يقول : «كَيْفَ أَقُومُ بِعَزْلِهِ وَقَدْ نَصَبَهُ عُمَر» . (كتاب معاوية لعبد الباقي الجزائري : ص106-110.) وكانت العائلة الأموية قد كسبت أيضاً ودّ أبو بكر لكن ليس مثل ثقة عُمَر بن الخطاب لهم . كذلك حظيت بني أُمية برضا كبير عند عثمان بن عفّان الأموي ، فعندما جاء عثمان بن عفّان عقب انتهاء فترة حكم عُمَر بن الخطاب وموته قام عثمان بتنصيب معاوية كوالي على الشام بأسرها ، وبعد مقتل عثمان بن عفّان أختار الناس أمير المؤمنين علي العظيم (عليه السلام) وبايعوه وقال : «وَبَايَعَنِي النَّاسُ غَيْرَ مُسْتَكْرَهِينَ وَلَا مُجْبَرِينَ ، بَلْ طَائِعِينَ مُخَيَّرِينَ» . وبعد أن بويع الإمام علي (عليه السلام) انتقل إلى الكوفة ونقل عاصمة الخلافة هناك ، ورأى تأجيل تنفيذ القصاص من قتلة عثمان حتى تستقر الأمور في المدينة وكان كثيرٌ من الصحابة في رأيه ؛ ولأنّ الناس كانوا يشكون سوء الإدارة أيام خلافة عثمان ، فكان الإمام علي (عليه السلام) يحتاج إلى وقت أطول من أجل حل تلك القضية الشائكة . ومن بين المبايعين للإمام علي (عليه السلام) طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام طلبا منه أن يوليهما بعض ولاياته ، ولكن الإمام (عليه السلام) قال لهما : «ارْضَيَا بِقِسْمِ اللَّهِ لَكُمَا حَتَّى أَرَى رَأْيِي ، وَاعْلَمَا أَنِّي لَا أُشْرِكُ فِي أَمَانَتِي إِلَّا مَنْ أَرْضَى بِدِينِهِ وَأَمَانَتِهِ مِنْ أَصْحَابِي وَمَنْ قَدْ عَرَفْتُ دَخِيلَهُ» ، فداخلهما اليأس من المنصب فاستأذناه للعمرة وخرجا من المدينة الى مكّة ناكثين بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) . ولمّا وصل طلحة والزبير إلى مكّة دخلا على عائشة وأخذا يحرضانها على الخروج ، فاستجابت لهم عائشة وخرجت بعد أن التمستْ مِن أُمّ سَلَمَة الخروج فأبتْ ، وسألتْ حفصة فأجابتْ . فشكلت جيشاً وقادت جملاً وخرجت في أوّل نفرٍ من المدينة المنورة (يثرب) ، وسارت مسيرة ليالي وأيام حتى عسكرت في البصرة ، مع الزبير وطلحة الذي كان يعشقها ، وسارت حتى انتهتْ الحَوْءَب وهو ماء ، فصاحت كلابها فقالت عائشة : «أَيّ مَاءٍ هَذَا» ؟ فَقِيلَ : «الحَوْءَب» . فَقَالَتْ : «إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ) يَقُولُ وَعِنْدَهُ نِسَاؤه : لَيْتَ شِعْرِي أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ؟» . عن الأحاديث المختارة لضياء الدين المقدسي - الجزء (12) - الصفحة (160) - الحلقة (179) :- أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْمَاعِيلَ دَاوُدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَحْمُودِ بْنِ مَاشَاذَهْ وَغَيْرُهُ، أَنَّ زَاهِرَ بْنَ طَاهِرٍ الشَّحَّامِيَّ أَخْبَرَهُمْ، أَبْنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْمَغْرِبِيُّ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، أَبْنَا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ، ثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، أَبْنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ دَاوُدَ، عَنْ عِصَامِ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ عِنْدَ أَزْوَاجِهِ: «لَيْتَ شِعْرِي أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُهَا كِلَابُ الْحَوْأَبِ، يُقْتَلُ عَنْ يَمِينِهَا وَعَنْ شِمَالِهَا قِيَامٌ مِنَ النَّاسِ، وَمَا كَادَتْ أَنْ تَنْجُوَ» .
فخرجت عائشة معهما على جملٍ أحمر اللون (في الخبر أنّه عسكر الجني) مطالبةً بدم عثمان والقصاص من الإمام علي العظيم (عليه السلام) ، فصادفهم في اثناء الطريق عبد الله بن عامر عامل عثمان على البصرة ، قد صرفه أمير المؤمنين (عليه السلام) بحارثة بن قدامة السعدي فرجح لهم البصرة لما فيها من كثرة الضيع والعدة ، فتوجهوا نحوها فمانع عنها عثمان بن حنيف والخزّان والموكلون فوقع بينهم القتال ، فقال لهم مجاشع بن مسعود : «اضْرُبُوهُ وَانْتِفُوا شَعْرَ لِحْيَتِهِ» ! فضربوا عثمان أربعينَ سوطاً ونتفوا شعر لحيته ورأسه وحاجبيه وأشفار عينيه وحبسوه . (تاريخ الطبري : ج4، ص469.)
فخرج أمير المؤمنين علي العظيم (عليه السلام) طالباً لهم ، فلمّا قرُب من البصرة كتب إلى طلحة والزبيرِ : « أَمَّا بَعْدُ ، فَقَدْ عَلِمْتُمَا أَنِّي لَمْ أُرِدِ النَّاسَ حَتَّى أَرَادُونِي ، وَلَمْ أُبَايِعْهُمْ حَتَّى أَكْرَهُونِي وَأَنْتُمَا مِمَّنْ أَرَادُوا بَيْعَتِي ، وَبَايَعُوا وَلَمْ تُبَايِعَا لِسُلْطَانٍ غَالِبٍ وَلَا لِغَرَضٍ حَاضِرٍ ، فَإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَا طَائِعَيْنِ فَتُوبَا إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَمَّا أَنْتُمَا عَلَيْهِ ، وَإِنْ كُنْتُمَا بَايَعْتُمَا مُكْرَهَيْنِ فَقَدْ جَعَلْتُمَا السَّبِيلَ عَلَيْكُمَا بِإِظْهَارِكُمَا الطَّاعَةَ وَإِسْرَارِكُمَا الْمَعْصِيَةَ . وَأَنْتَ يَا زُبَيْرُ فَارِسُ قُرَيْشٍ ، وَأَنْتَ يَا طَلْحَةُ شَيْخُ الْمُهَاجِرِينَ ، وَدَفْعُكُمَا هَذَا الْأَمْرَ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَا فِيهِ كَانَ أَوْسَعَ لَكُمَا مِنْ خُرُوجِكُمَا مِنْهُ بَعْدَ إِقْرَارِكُمَا بِهِ . وَأَمَّا قَوْلُكُمَا إِنِّي قَتَلْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَبَيْنِي وَبَيْنَكُمَا مَنْ تَخَلَّفَ عَنِّي وَعَنْكُمَا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ؟ ثُمَّ يُلْزَمُ كُلُّ امْرِئٍ بِقَدْرِ مَا احْتَمَلَ وَهَؤُلَاءِ بَنُو عُثْمَانَ ! إِنْ قُتِلَ مَظْلُوماً كَمَا تَقُولَانِ أَوْلِيَاؤُهُ وَأَنْتُمَا رَجُلَانِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ ، وَقَدْ بَايَعْتُمَانِي وَنَقَضْتُمَا بَيْعَتِي وَأَخْرَجْتُمَا أُمَّكُمَا مِنْ بَيْتِهَا الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ تَقِرَّ فِيهِ ، وَاللَّهُ حَسِيبُكُمَا وَالسَّلَامُ » .
وَكَتَبَ إِلَى عَائِشَةَ : « أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّكِ خَرَجْتِ مِنْ بَيْتِكِ عَاصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى وَلِرَسُولِهِ ، تَطْلُبِينَ أَمْراً كَانَ عَنْكِ مَوْضُوعاً ثُمَّ تَزْعُمِينَ أَنَّكِ تُرِيدِينَ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ النَّاسِ ! فَخَبِّرِينِي مَا لِلنِّسَاءِ وَقَوْدِ الْعَسَاكِرِ ؟! وَزَعَمْتِ أَنَّكِ طَالِبَةٌ بِدَمِ عُثْمَانَ وَعُثْمَانُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ وَأَنْتِ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرَّةَ ، وَلَعَمْرِي إِنَّ الَّذِي عَرَضَكِ لِلْبَلَاءِ وَحَمَلَكِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ لَأَعْظَمُ إِلَيْكِ ذَنْباً مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ ، وَمَا غَضِبْتِ حَتَّى أَغْضَبْتِ وَلَا هِجْتِ حَتَّى هَيَّجْتِ فَاتَّقِي اللَّهَ يَا عَائِشَةُ وَارْجِعِي إِلَى مَنْزِلِكِ وَأَسْبِلِي عَلَيْكِ سِتْرَكِ وَالسَّلَامُ » .
فَجَاءَ الْجَوَابُ إِلَيْهِ : « يَا ابْنَ أَبِي طَالِبٍ جَلَّ الْأَمْرُ عَنِ الْعِتَابِ ! وَلَنْ نَدْخُلَ فِي طَاعَتِكَ أَبَداً فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ وَالسَّلَامُ » . (الفتوح لابن أعثم : ج2، ص465،301 . وراجع البحار : ج32، ص125، عن كشف الغمة) .
فلمّا جاء الجواب وسمع أمير المؤمنين (عليه السلام) بوصولهم جهّز جيشاً وخرج إلى البصرة ، وخطب (عليه السلام) فقال : « اَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ عائِشَةَ سَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ ، وَمَعَها طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ ، وَكُلٌّ مِنْهُما يَرَى الْأَمْرَ لَهُ دوُنَ صاحِبِهِ ، أَمَّا طَلْحَةُ فَابْنُ عَمِّها ، وَأَمَّا الزُّبَيْرُ فَخَتَنُها ، وَاللَّهِ لَوْ ظَفَرُوا بِما اَرادُوا - وَلَنْ يَنالوُا ذلِكَ اَبَداً - لَيَضْرِبَنَّ أَحَدُهُما عُنُقَ صاحِبِهِ بَعْدَ تَنازُعٍ مِنْهما شَديدٍ . وَاللَّهِ إِنَّ رَاكِبَةَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ ما تَقْطَعُ عَقَبَةً وَلَا عُقْدَةً إِلاَّ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ ، حَتّى تُورِدَ نَفْسَها وَمَنْ مَعَها مَوارِدَ الْهَلَكَةِ ، أي وَاللَّهِ لَيُقْتَلَنَّ ثُلْثُهُمْ وَلَيَهْرِبَنَّ ثُلْثُهُمْ وَلَيَتُوبَنَّ ثُلْثُهُمْ ، وَأَنَّهَا الَّتِي تَنْبَحُها كِلَابُ الْحَوْأَبِ ، وَأَنَّهُما لَيَعْلَمَانِ أَنَّهُما مُخْطِئَانِ . وَرُبَّ عَالِمٍ قَتَلَهُ جَهْلُهُ وَمَعَهُ عِلْمٌ لا يَنْفَعُهُ ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكيلُ ، فَقَدْ قَامَتِ الْفِتْنَةُ وَفيهَا الْفِئَةُ الْباغِيَةُ ، أَيْنَ الْمُحْتَسِبُونَ ؟ أَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ ؟ مَا لِي وَلِقُرَيْشٍ ؟ أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ قَتَلْتُهُمْ كَافِرينَ وَلَأَقْتُلَنَّهُمْ مَفْتوُنينَ ، وَما لَنَا إِلى عَائِشَةَ مِنْ ذَنْبٍ إِلَّا أَنَّا أَدْخَلْنَاهَا فِي حَيِّزِنَا ، وَاللَّهِ لَأَبْقِرَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَظْهَرَ الْحَقُّ مِنْ خَاصِرَتِهِ ، فَقُلْ لِقُرَيْشٍ فَلْتَضِجَّ ضَجِيجَهَا » . (شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج1، ص233. وراجع أيضاً جمهرة خطب العرب لأحمد زكي صفوت : ج1، ص287.)
وحقاً تمّ الأمر كما خططت له عائشة بمؤازرة صاحبيها طلحة والزبير ، وحدثت موقعة الجمل بين جيشها وبين جيش أمير المؤمنين علي العظيم (عليه السلام) ، وقد شارك في قيادة جيش أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عمّار بن ياسر والأشتر النخعي وعبد الله بن عباس ومحمد بن أبي بكر (رضي الله عنهم وأرضاهم) . أما أصحاب الجمل فعائشة وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام . فنشبت الحرب وأسفرت عن قتل ثلاثة عشر ألف رجلاً من أصحاب الجمل ، وخمسة آلاف رجلٍ من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وانتهت بانكسار جيش أصحاب الجمل . وقد أجمعت النصوص التاريخيّة أنّ قتلى معركة الجمل من جيش الإمام عليّ (عليه السلام) خمسة آلاف (5000) : (تاريخ الطبري : ج4، ص539. والعقد الفريد : ج3، ص324 . والكامل في التاريخ : ج2، ص346 . ومروج الذهب : ج2، ص360 . والبداية والنهاية : ج7، ص245) . ولكن هناك اختلافٌ كبيرٌ بين النصوص حول عدد قتلى معركة الجمل من جيش عائشة ، فقد ذكرت بعض الأخبار التاريخيّة أنّ عدد من قُتِلَ منهم عشرون ألفاً (العقد الفريد : ج3، ص324.) ، بينما جاء في أخبار أُخرى أنّه قُتِلَ منهم ثلاثة عشر ألفاً (تاريخ الطبري : ج4، ص539.) ، وعلى خبرٍ آخر عشرة آلاف (الكامل في التاريخ : ج2، ص346.)
وبعد انقضاء الحرب وخسارة عائشة جاء أمير المؤمنين علي العظيم (عليه السلام) بذاته حتى وقف أمامها وضرب الهودج بالقضيب وقال : «يَا حُمَيْرَاءَ ! هَلْ رَسولُ اللَّهِ أَمَرَكِ بِهَذَا الخُروجِ عَليَّ ؟ أَلَمْ يَأْمُرُكِ أَنْ تُقِرّي فِي بَيْتِكِ ؟ وَاللَّهِ مَا أَنَّصَفَكِ الْلَّذَيْنِ أَخْرَجُوكِ مِنْ بَيْتِكِ ! إِذْ صَانُوا حَلَائِلَهُمْ وَأَبْرَزُوكِ» . (الجمل لضامن بن شدقم المدني : ص146. وغرر الخصائص الواضحة : ص418.) تأمل قول امير المؤمنين لعائشة : (يا حميراء!) ولم يقل يا بنت أبي بكرٍ ولا قال يا أم المسلمين ولم يقل يا أخت اسماء ولم يقل يا زوجة خاتم الانبياء ! فعائشة حذت حذو أحيمر ثمود إرم وكادت أن تكون أشقى الآخرين ، فهي الحميراء التي ناداها النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهذا اللقب ، وحدثها بأنّها قد تسعى لقتل أمير المؤمنين وتخرج عليه كما في الحديث عن المستدرك على الصحيحين للحاكم - الجزء (3) - الصفحة (129) - الحلقة (4610) :- حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَفِيدُ، ثنا أَحْمَدُ بْنُ نَصْرٍ، ثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، ثنا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ الْوَرْدِ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُرُوجَ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ: «انْظُرِي يَا حُمَيْرَاءُ، أَنْ لَا تَكُونِي أَنْتِ» ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: «إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا فَارْفُقْ بِهَا» .
والمعنى بخروج بعض أمهات المؤمنين أنّه سيخرج منهن من تسعى للحرب والمعني بذلك عائشة ، ولذلك ضحكت لتلك النبوءة التي بدت لها أنّها غير قابلة للحصول ، ولكن النبي الكريم يستدرك تلك الضحكة بقوله له : «انْظُرِي يَا حُمَيْرَاءُ، أَنْ لَا تَكُونِي أَنْتِ» . أنّه يُسميها بالحميراء في هذا السند الصحيح ، ثم يلتفت الى علي العظيم (عليه السلام) ويقول : «إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا فَارْفُقْ بِهَا» ، وهو ما تحقق بعد معركة الجمل . فالنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سماها بالحُمَيراء تشبيهاً لها بأحيمر ثمود أرم ، فاشقى الآخرين هو قاتل أمير المؤمنين علي العظيم (عليه السلام) ، ومن يحذو حذو ذلك ، فنادها النبي مُحَمّد العظيم بالحُمَيراء . وبالفعل فقد جاء في أنساب الأشراف للبلاذري - الجزء (2) - الصفحة (249) :- «وَانْتَهَى عَلِيٌّ إِلَى الهَوْدَجِ فَضَرَبَهُ بِرُمْحِهِ وَقَالَ : كَيْفَ رَأَيَتِ صَنِيعَ اللَّهِ بِكِ يَا أُخْتَ إِرْم ؟ فَقَالَتْ : مَلَكَتَ فأَسْجَحْ ! ثُمَّ قَالَ لِمُحَمَّدِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : انْطَلِقْ بِأُخْتِكَ فَأَدْخَلَها البَصْرَة . فَأَنْزَلَهَا مُحَمَّدٌ فِي دَارِ صَفيَّةَ بِنْتُ الحَرْثِ بْنِ طَلْحَةَ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ العَبْدَري ، وَهِيَ أُم طَلْحَةَ الطَّلْحَاتِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْن خَلَفَ الخُزَاعِي ، فَمَكَثْتْ بِهَا أَيَّامًا ثُمَّ أَمَرَهَا عَلِيّ بِالرِّحْلَةِ ، فَاسْتَأْجَلَتَهُ أَيَّامًا فَأَجَلّهَا ، فَلَمَّا انْقَضَى الْأَجَلُ أَزْعَجَها فَخَرَجَتْ إِلَى المَدينَةِ فِي نِساءٍ مِنْ أَهْلِ البَصْرَةِ وَرِجال مِنْ قَبْلِهِ حَتَّى نَزَلَت المَدينَة ، وَكَانَتْ تَقولُ إِذَا ذَكَرَتْ يَوْمَ الْجَمَلِ : وَددْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهُ بِكَذَا وَكَذَا عَامًا» . وَعَنْ إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ حَاطِبٍ قَالَ: أَقْبَلْتُ مَعَ عَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ إِلَى الْهَوْدَجِ وَكَأَنَّهُ شَوْكُ قُنْفُذٍ مِنَ النَّبْلِ، فَضَرَبَ الْهَوْدَجَ، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ حُمَيْرَاءَ إِرَمَ هَذِهِ أَرَادَتْ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلَتْ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ» .وبعد انتهاء معركة الجمل وانكسار عائشة وصاحبيها طلحة والزبير ، شنّ معاوية حربه على الإمام علي (عليه السلام) بذريعة الأخذ بثأر عثمان ، فحدثت معركة صفّين ! الغريب في الأمر أنّ عثمان قد طلب المساعدة من معاوية لكنه لم يقدم أي مساعدة له ! حتى أنّ عثمان بعث إليه برسالة عتاب (راجع ذلك في تاريخ الإسلام للذهبي : ص450.) عندما وصلت المضايقات وقيام الناس عليه في ذروتها . فقتل المسلمون عثمان ودفنوه في مقابر اليهود ولم يقم الصحابة بإقامة صلاة الميت على جنازته . (كما ذكر ذلك ابن سعد في الطبقات الكبرى : ج3، 61.) ؛ وذلك استجابةً لفتوى عائشة التي أمرت بقتل عُثمان ، ولسوء إدارته في الحكم وتسليط أرحامه وأقاربه على رقاب الناس كابن خاله عبد الله بن عامر الذي ولّاه العراق وهو ابن ست عشرة سنة . (كما ذكر ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب : ج2، ص693) . وتوليته للوليد بن عقبة أخوه لأمه الذي ولّاه الكوفة وقد صلّى بالناس صلاة الصبح وهو مخمور ! وقد صلّى بالناس الصبح أربعاً ثم التفت اليهم ، فقال : أزيدكم ؟ فرُفِعَ ذلك إلى عثمان فأمر به أن يجلد . (كما ذكر ذلك أحمد بن حنبل في مسنده : ج2، ص395) . ثم توليته لسعيد بن العاص من أقرباءه الذي كان يتبجح أمام الناس أنّ هذا السواد هو ملك لنا وبستان لقريش ! فناهضه أهل الكوفة وكادوا يحاربوه حتى فرّ هارباً إلى عثمان ، وهكذا غيرهم . ولأمره أيضاً بتعذيب الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه) بالضرب المبرح حتّى مات ، ولقيامه بنفي أشخاص وقرّاء الكوفة وأبا ذر إلى الشام ، وعندما شعر معاوية بالخطر بادر إلى إخراجهم من هناك من أجل الاحتفاظ بموقعه بالحكم والاجتناب من تأثيرهم على أهل الشام . فمات الصحابي الجليل ابو ذر الغفاري (رضي الله عنه) وحيداً في الصحراء مع عائلته بعد أن تمّ نفيه . كما أنّ معاوية قام بخطبة زوجة عثمان عندما فرّت بعد مقتله إلى الشام ، لكنها رفضت الزواج . (نثر الدر للرازي : ج4، ص62.)
وبعد مقتل عثمان اعتبر معاوية نفسه والأمويين هم الورثة ، وذلك من خلال الداعيات والإعلانات يدعي بأنّه هو وريث عثمان ، وكان يؤكد في كتبها التي يبعثها إلى الإمام (عليه السلام) بأنّ عثمان قُتِلَ مظلوماً ، وبذريعة الأخذ بثأر عثمان قام معاوية برفض بيعة الإمام علي (عليه السلام) والخروج عن طاعته ، واتّهمه بالهوادة في أمر عثمان وعدم القصاص من قاتله ، في حين أنّ الإمام علي (عليه السلام) لو قام بتنفيذ القصاص على قتلة عثمان لكانت عائشة من ضمن القتلة بتحريضها عليه سابقاً بقولها : «اقْتُلُوا نَعْثلاً فَقَدْ كَفَر! قَتَلَ اللَّهُ نَعْثَلاً لَقَدْ غَيَّرَ سُنَّةَ رَسُول اللَّه» ؛ ومن أجل ذلك تكون معركة الجمل التي خاضها الإمام علي (عليه السلام) صحيحة وكافية في الرد على سياسات معاوية الباطلة . وعلى الرغم أنّ الإمام علي (عليه السلام) قد حاربها في الجمل لكن معاويّة كان يعلم مسبقاً أن علياً (عليه السلام) لن يقرّه عليها وأنّه إذا استتب له الأمر سيكون في عداد الولاة والأمراء المعزولين وسيخضع لحسابٍ عسير من الإمام علي (عليه السلام) الذي لا يهادن ولا يماري في أمر الله . وبالفعل فقد جرت وساطات لإقناع الإمام علي (عليه السلام) في أن يقر معاوية على عمله وأن يترك الشام ومصر له ، فقد أشار عليه المغيرة بن شعبة بذلك فكان ردّ الإمام (عليه السلام) : «وَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَرَانِي أَتَّخِذُ الْمُضِلِّينَ عَضُداً» .
وأراد الإمام علي (عليه السلام) أن ينصب عبدالله بن عباس والياً على الشام ، فبعث إلى معاوية كتاباً ، لكن معاوية ردّ عليه بكتاب أبيض فارغ . فجاء مبعوث معاوية إلى الإمام وقال : «أنّه أتى من قبل قوم يزعمون أن الإمام علي عليه السلام هو قاتل عثمان ولم يرضوا إلّا بقتله» . (أنساب الأشراف للبلاذري : ج2، ص211-212.) لكن معاوية كان في أثناء مراسلاته للإمام علي (عليه السلام) يهيء للحرب ، فقد استطاع أن يشرب أهل الشام بغض الإمام علي (عليه السلام) مقنعاً إياهم أنه هو المسؤول عن دم عثمان وأنه يريد الثأر له ! فاستجابوا له على ذلك بل وصل الجهل بهم أن هددوه بالعزل إن لم يفعل ذلك - هذا إن لم يكن هو الذي أوحى لهم بأن يقولوا ذلك - ، فدعى الإمام علي (عليه السلام) أصحابه من المهاجرين والأنصار ثم خطب بالناس خطبة الجهاد ، فحدثت معركة صفين في شهر صفر سنة 37 هـ ، واحتدمت الحرب بين الفريقين واستعرت نارها بين الجيشان العراقي والشامّي وبدأ النصر يرفرف على معسكر الإمام علي (عليه السلام) .
وهنا كان لابّد من شاهد حقٍّ يدحض حجة الباغي ويجدع أنف الباطل ، ولقد كان هذا الشاهد الحق هو عمار بن ياسر ، وكلا الفريقين كانا يرويان حديث النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عمّار في صفّين ، وهو حديث مقتل عمّار على يد الفئة الباغيّة ، ذكر البخاري في صحيحه - الجزء (1) - الصفحة (97) - الحلقة (447) :- حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلِابْنِهِ عَلِيٍّ: انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ، فَانْطَلَقْنَا فَإِذَا هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا حَتَّى أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ المَسْجِدِ، فَقَالَ: كُنَّا نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ لَبِنَتَيْنِ، فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ، وَيَقُولُ: «وَيْحَ عَمَّارٍ، تَقْتُلُهُ الفِئَةُ البَاغِيَةُ، يَدْعُوهُمْ إِلَى الجَنَّةِ، وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ» قَالَ: يَقُولُ عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الفِتَنِ .
وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم - الجزء (3) - الصفحة (437) - الحلقة (5661) :- حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْحَافِظُ، ثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ يَحْيَى، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ، ثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ يَخْتَصِمَانِ فِي دَمِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَسَلَبِهِ، فَقَالَ عَمْرٌو: خَلِّيَا عَنْهُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ أُولِعَتْ قُرَيْشٌ بِعَمَّارٍ، إِنَّ قَاتِلَ عَمَّارٍ وَسَالِبَهُ فِي النَّارِ» وَتَفَرَّدَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، عَنْ مُعْتَمِرٍ، عَنْ أَبِيهِ . فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَإِنَّهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ . وَإِنَّمَا رَوَاهُ النَّاسُ، عَنْ مُعْتَمِرٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ .
وذكر ابن كثير في كتابه البداية والنهاية - الجزء (9) - الصفحة (194) :- رَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ كَانَ ابْنُ سُمَيَّةَ مَعَ الْحَقِّ» . وَمَعْلُومٌ أَنَّ عَمَّارًا كَانَ فِي جَيْشِ عَلِيٍّ يَوْمَ صِفِّينَ، وَقَتَلَهُ أَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى قَتْلَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: أَبُو الْغَادِيَةِ .
فبعد أن قُتِلَ عمّار بن ياسر (رضي الله عنه) على يد أصحاب معاوية وهو أبو الغادية الجهني ، عرّف الناس من هي الفئة الباغيّة وتحققت نبوءة الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث عمّار الذي كان يدور على ألسنة المتحاربين حتّى على ألسنة القادة الكبار منهم ، فعمرو بن العاص الذي يعتبر الدعامة الكبرى لمعاوية كان يروي حديث النبي في عمّار ويلتفت إلى معاوية بعد أن لامه هذا الأخير في ذلك . عن البداية والنهاية لابن كثير - الجزء (10) - الصفحة (535) :- قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لِأَبِيهِ: «يَا أَبَتِ قَتَلْتُمْ هَذَا الرَّجُلَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا، وَقَدْ قَالَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَا قَالَ! قَالَ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: أَلَمْ تَكُنْ مَعَنَا وَنَحْنُ نَبْنِي الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ يَنْقُلُونَ حَجَرًا حَجَرًا، وَلَبِنَةً لَبِنَةً، وَعَمَّارٌ يَنْقُلُ حَجَرَيْنِ حَجَرَيْنِ، وَلَبِنَتَيْنِ لِبِنْتَيْنِ، فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ سُمَيَّةَ، النَّاسُ يَنْقُلُونَ حَجَرًا حَجَرًا، وَلَبِنَةً لَبِنَةً، وَأَنْتَ تَنْقُلُ حَجَرَيْنِ حَجَرَيْنِ، وَلَبِنَتَيْنِ لِبِنْتَيْنِ ; رَغْبَةً مِنْكَ فِي الْأَجْرِ! وَأَنْتَ وَيْحَكَ مَعَ ذَلِكَ تَقْتُلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ ؟ قَالَ: فَدَفَعَ عَمْرٌو صَدْرَ فَرَسِهِ، ثُمَّ جَذَبَ مُعَاوِيَةَ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ، أَمَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللَّهِ؟ قَالَ: وَمَا يَقُولُ؟ فَأَخْبَرُهُ الْخَبَرَ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: إِنَّكَ شَيْخٌ أَخْرَقُ! وَلَا تَزَالُ تُحَدِّثُ بِالْحَدِيثِ وَأَنْتَ تَدْحَضُ فِي بَوْلِكَ! أَوَنَحْنُ قَتَلْنَا عَمَّارًا؟ إِنَّمَا قَتَلَ عَمَّارًا مَنْ جَاءَ بِهِ .
فقال عمرو : قُلْتُهَا وَلَسْتُ أَعْلَمُ الْغَيْب ، وَلَا أَدْرِي أنَّ صِفَّينَ تَكُون ، قُلْتُهَا وَعَمَّارٌ يَوْمَئِذٍ لَكَ وَليّ ، وَقَدْ رَويْتَ أَنْتَ فِيهِ مِثْل مَا رَويْتُ» .
ولهما في القضيّة معاتبة مشهورة وشعر منقول ، منه قول عمرو :
تُعَاتِبُنِي أَنْ قُلُتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ *** وَقَدْ قُلُتَ لَوْ أَنْصَفْتَني مِثْلُهُ قَبْلِي
أَنْعَلُكَ فِيمَا قُلُتَ نَعْلٌ ثَبيتَةٌ *** وَتَزْلَقُ بِي فِي مِثْلِ مَا قُلْتَهُ نَعْلِي
وَمَا كَانَ لِي عِلْمٌ بِصِفِّينَ أَنَّهَا *** تَكُونُ وَعَمَّارٌ يَحُثُّ عَلَى قَتْلِي
وَلَوْ كَانَ لِي بِالْغَيْبِ عِلْمٌ كَتَمْتُهَا *** وَكَابَدتُ أَقْوَاماً مَراجِلُهُمْ تَغْلي
أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنَّ صَدْرَكَ وَاغرٌ *** عَليَّ بلَا ذَنْبٍ جَنَيْتْ وَلَا ذَحْلِ
سِوَى أَنَّنِي وَاَلرَاقِصَاتُ عَشيَّةً *** بِنَصْرِكَ مَدْخولُ الْهَوَى ذَاهِلُ الْعَقْلِ
فَأَجَابَهُ مُعَاويَة :
فَيَا قَبَّحَ اللَّهُ الْعِتابَ وَأَهْلَهُ *** أَلَمْ تَرَ مَا أَصْبَحَتُ فِيهِ مِنَ الشُّغْلِ
فَدَعْ ذَا وَلَكِنْ هَلْ لَكَ اليَوْمَ حِيلَةٌ *** تَرُدُّ بِهَا قَوْماً مَرَاجِلُهُمْ تَغْلي
دَعَاهُمْ عَليَّ فَاسْتَجَابُوا لِدَعْوَةٍ *** أَحَبَّ إِلَيْهُمْ مِنْ ثَرَى الْمَالِ والْأَهْلِدبّ الرعب والخوف في عسكر معاوية وكثر اللغط فيما بينهم وكادوا ينقسمون على أنفسهم لولا أنّ معاوية قال لهم : «أَنَحْنُ قَتَلْنَاهُ؟ إِنَّمَا قَتَلَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَمَّا أَلْقَاهُ بَيْنَ رِمَاحِنَا» - محاولاً بذلك إقناعهم - ، وكان جواب الإمام علي (عليه السلام) حين بلغه ذلك : « فَإِذًا رَسُولُ اللَّهِ هُوَ الَّذِي قَتَلَ حَمْزَةَ وَأَلْقَاهُ بَيْنَ رِمَاحِ الْمُشْرِكِينَ » . ولمّا رأى معاوية بن أبي سفيان انتصارات جيش الإمام علي (عليه السلام) على جيشه وقد قَرُبَ منه القائد مالك الأشتر مع مجموعته ، دعا عمرو بن العاص إلى خطّة للوقوف أمام هذه الانتصارات واستنجد به ، فقام عمرو بن العاص بخدعة حيث دعا جيش معاوية إلى رفع المصاحف على أسنّة الرماح ، ومعنى ذلك أنّ القرآن حكمٌ بينهم ليدعوا جيش علي (عليه السلام) إلى التوقف عن القتال ويدعون علياً إلى حكم القرآن ! فإما المضي بالقتال ومعنى ذلك أنّه سيقاتل ثلاثة أرباع جيشه وجيش أهل معاوية ، وإما القبول بالتحكيم وهو أقلّ الشرّين خطراً . فانطلت الحيلة على الكثير من العراقيين واضطر أمير المؤمنين (عليه السلام) للرضوخ لأمر التحكيم ، على أن يختار العراقيون ممثلاً عنهم ، ويختار الشاميون من ينوب عنهم في التحكيم ، شريطة أن يحكما بحكم كتاب الله تعالى ، فاختار الشاميون عمرو بن العاص ، وقرر أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يمثلّه في التحكيم ابن عباس ، فرفض القوم ذلك وحينئذٍ اختار مالكاً الأشتر لينوب عنه في التحكيم ، إلا أنّ الأشعث بن قيس وجماعةً رفضوا ذلك ، وبعد أن رُشّح الحكمان تقرر أن يكون التحكيم في شهر رمضان أي بعد ثمانية أشهر ، وأن يكون الاجتماع في منطقة دومة الجندل . وتوقف القتال وأذن الإمام علي (عليه السلام) بالرحيل إلى الكوفة ، وتحرك معاوية بجيشه نحو الشام وأمر كل منهما بإطلاق أسرى الفريق الآخر وعاد كلٌ إلى بلده ، وقُتِلَ من أصحاب معاوية بن أبي سفيان خمسة وأربعون ألفاً من أصل مائة وخمسة وثلاثون ألفاً ، ومن أصحاب الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) خمسة وعشرون ألفاً من أصل مائة وثلاثون ألفاً .
من الأمور الاحترازية التي قام بها أمير المؤمنين (عليه السلام) إنّه عندما أرسل أبا موسى الاشعري للتحكيم أرسل معه أربعمائة من فرسانه ، وعليهم ابن عباس للصلاة ، وشريح بن هاني أميراً مع إرشاد أبي موسى إلى حقيقة معاوية وخبثه ومكره وتقديم مجموعة من الارشادات والنصائح التي يحتاج إليها في عملية التحكيم . وبعد حوار ونقاش طويل قال عمرو لأبي موسى الأشعري أخبرني : «مَا رَأْيُكَ يَا أَبَا مُوسَى؟» قال : «أَرَى أَنْ نَخْلَعَ هَذَيْنَ الرَّجُليْنِ وَنَجْعَلَ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ المُسْلِمِينَ ، يَخْتَارُونَ مَنْ شَاءُوا» . فقال عمرو: «الرَّأْيُ واللَّهُ مَا رَأَيُتْ» . فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون ، فتكلّم أبو موسى وحَمِدَ الله وأثنى عليه ثم قال : «إِنَّ رَأْيي وَرَأْيَ عَمْرُو قَدْ اتَّفَقَ عَلَى أَمْرٍ نَرْجُو أَنْ يُصْلِحَ اللَّهُ بِهِ شَأْنَ هَذِهِ الْأُمَّةِ» . فقال عمرو : «صَدَقَ . تَقَدَّمْ يَا أَبَا مُوسَى فَتَكَلَّمْ» . فقام ليتكلّم فدعاه ابن عباس ، فقال له : «وَيْحَكْ ! وَاللَّه إِنِّي لَأَظُنُّهُ قَدْ خَدَعَكَ ، إِنْ كُنْتُمَا قَدْ اتَّفَقَّتُمَا عَلَى أَمْرٍ فَقَدِّمْهُ قَبْلَكَ لَيَتَكَلَّمَ بِهِ ثُمَّ تَكَلَّمْ أَنْتَ بَعْدَهُ ؛ فَإِنَّهُ رَجُلٌ غَدَارٌ وَلَا آمَنُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَعْطَاكَ الرِّضَا فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ، فَإِذَا قُمْتَ بِهِ فِي النَّاسِ خَالَفَكَ» ! وكان أبو موسى رجلاً مغفلاً فقال : «إِيهَا عَنْكَ إِنَّا قَدْ اتَّفَقْنَا» . فتقدّم أبو موسى فقال : «أَيُّهَا النّاسُ إِنَّا قَدْ نَظَرْنَا فِي أَمْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ ، فَلَمْ نَرَ شَيْئًا هوَ أَصْلَحُ لِأَمْرِهَا وَلَمِّ شَعْثِهَا مِنْ أَلَّا تَتَبَايَنَ أُمُورَهَا ، وَقَدْ أَجْمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ صَاحِبِي عَلَى خَلْعِ عَليٍّ وَمُعَاويَة ، وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ هَذَا الْأَمْرَ فَيَكُون شُورَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ يُوَلُّونَ أُمُورَهُمْ مَنْ أَحَبُّوا ، وَإِنِّي قَدْ خَلَعْتُ عَليًّا وَمُعاويَةَ فَاسْتَقْبِلُوا أُمورَكُمْ وَوَلُّوا مَنْ رَأَيْتُمُوهُ لِهَذَا الْأَمْرِ أَهْلًا» ، ثم تنحى . فقام عمرو بن العاص في مقامه ثم قال : «إِنَّ هَذَا قَدْ قَالَ مَا سَمِعْتُمْ ، وَخَلَعَ صاحِبِهِ ، وَأَنَا أَخْلَعُ صَاحِبَهُ كَمَا خَلَعَهُ ، وَأُثْبِتُ صَاحِبِي مُعَاويَةَ فِي الْخِلَافَةِ ؛ فَإِنَّهُ وَلِّيُّ عُثْمانَ والطّالِبُ بِدَمِهِ وَأَحَقُّ النّاسُ بِمَقَامِهِ» . فقال له أبو موسى : «مَا لَكَ لَا وَفَّقَكَ اللَّهُ ؟ قَدْ غَدَرْتَ وَفَجَرْتَ ! إِنَّمَا مَثَلُكَ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ!» . فقال له عمرو : « إِنَّمَا مَثَلُكَ مَثَلُ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً » . وحمل شريح بن هاني عَلَى عَمْرو فقنّعه بالسوط ، وحمل عَلَى شريح ابنٌ لعمرو فضربه بالسوط ، وقام الناس فحجزوا بينهم . وكان شريح بعد ذلك يقول : «مَا نَدِمْتُ عَلَى شَيْءٍ نَدَامَتِي أَلَّا أَكُونَ ضَرَبْتُ عَمْراً بِالسَّيْفِ بَدَلَ السَّوْطِ ، أَتَى الدَّهْرُ بِمَا أَتَى بِهِ» .
ولما عَلِمَ أمير المؤمنين علي العظيم (عليه السلام) بذلك سكت وعَجِز عن التكلُّم من شِدّة الغيظ والحزن ، واغتمّ الإمام (صلوات الله عليه) وخطب الناس فقال : «الْحَمْدُ للهِ ، وَإنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ ، وَالْحَدَثِ الْجَلِيلِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاّ اللهُ ، لَا شَرِيكَ لَهُ ، لَيْسَ مَعَهُ إِلهٌ غَيْرُهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ . أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ ، وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ في هذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي ، وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخزُونَ رَأْيِي ، لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ ! فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ ، وَالْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ ، حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ ، وَضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ ، فَكُنْتُ وَإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ : أَمَرْتُكُمُ أَمْري بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى *** فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلاَّ ضُحَى الْغَدِ .
أَلَّا ؟ إِنَّ هَذَيْنَ الرَّجُليْنِ - عَمْرو بْنِ العَاصِ وَأَبَا مُوسَى الأَشْعَري - اَلْلَّذَيْنِ اخْتَرْتَمُوهُمَا حَكَمَيّنِ قَدْ نَبَذَا حُكْمَ الْقُرْآنِ وَراءَ ظُهُورِهِمَا ، وَأَحَيّيَا مَا أَمَاتَ الْقُرْآنَ ، وَأَمَاتَا مَا أَحْيَى الْقُرْآنَ ، واتَّبَعَ كُلَّ واحِدٍ مِنْهُمَا هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ ، فَحَكَمَا بِغَيْرِ حُجَّةٍ بَيِّنَةٍ ، وَلَا سُنَّةً مَاضِيَةٍ ، وَاخْتَلَفَا فِي حُكْمِهِمَا وَكِلَاهُمَا لَمْ يُرْشِدْ ، فَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُمَا وَرَسولَهُ وَصالِحَ المُؤْمِنِينَ ، وَاسْتَعَدُّوا وَتَأَهَّبُوا لِلْمَسِيرِ إِلَى الشَّامِ» . والتمس أصحاب الإمام علي (عليه السلام) أبا موسى فركب ناقته ولحق بمكّة ، وانصرف أهل الشام إلى معاوية . وكان ابن عباس يقول : «قَبَّحَ اللَّهُ أَبَا مُوسَى ! لَقَدْ حَذَرْتُهُ وَهَديتُهُ إِلَى الرَّأْيِ فَمَا عَقِل» . وكان أبو موسى يقول : «لَقَدْ حَذَّرَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ غَدْرَةَ الْفَاسِقِ ، وَلَكِنِّي اطْمَأْنَنْتُ إِلَيْهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ شَيْئاً عَلَى نَصِيحَةِ الْأُمَّةِ» .
قال بعض الأشعريين لأبي موسى :
أَبَا مُوسَى خُدِعْتَ وَكُنْتَ شَيْخًا *** قَريبَ الْقَعْرِ مَدْهوشَ الْجنَانِ
رَمَى عَمْرو صِفاتِكَ يَا ابْنَ قَيْسٍ *** بِأَمْرٍ لَا تَنوءُ بِهِ الْيَدَانِ
وَقَدْ كُنَّا نُجَمْجِمَ عَنْ ظُنونٍ *** فَصَرَّحَتْ الظُّنونُ عَنْ الْعيَانِ
فَعَضّ الْكَفِّ مِنْ نَدَمٍ وَمَاذَا *** يَردُّ عَلَيْكَ عَضّكَ بِالْبَنَانِ
وكتب عمرو بن العاص إلى معاوية :
أَتَتْكَ الْخِلافَةُ مَزْفوفَةٌ *** هَنِيئًا مَرِيئًا تُقِرُّ الْعُيونَا
تُزَفُّ إِلَيْكَ زفَافُ الْعَرُوسِ *** بِأَهْوَن مِنْ طَعْنِكَ الدَّارْعِينَا
وَمَا الْأَشْعَريّ بِصَلْدِ الزِّنَادِ *** وَلَا خَامِلَ الذِّكْرِ فِي الْأَشْعَرِينَا
وَلَكِنْ أُتِيحَتْ لَهُ حَيَّةً *** يَظَلُّ الشُّجَاعُ لَهَا مُسْتَكينًا
فَقَالُوا وَقُلْتُ وَكُنْتُ أَمْرًا *** أَجْهجَهُ بِاَلْخَصْمِ حَتَّى يَلِينَا
فَخُذْهَا ابْنُ هِنْدٍ عَلَى بعْدهَا *** فَقَدْ دَفَعَ اللَّهُ مَا تَحْذَرُونَا
وَقَدْ صَرَفَ اللَّهُ عَنْ شامِكُمْ *** عَدوًّا مُبَيِّنًا وَحَرْبًا زَبونًا
وقام كردوس بن هانئ مغضباً فقال (رضي الله عنه) :
أَلَّا لَيْتَ مَنْ يَرْضَى مِنَ النَّاسِ كُلُّهُم *** بِعَمْرو وَعَبْدِ اللَّهِ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ
رَضِينَا بِحُكْمِ اللَّهِ لَا حُكْمَ غَيْرُهُ *** وَبِاللَّهِ رَبّاً وَالنَّبِيّ وَبِالْذِّكْرِ
وَبِاَلْأَصْلَعِ الْهَادِي عَلِي إِمَامُنَا *** رَضِينَا بِذَاكَ الشَّيْخِ فِي الْعُسْرِ والْيُسْرِ
رَضِيْنَا بِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا وَأَنَّهُ *** إِمَام هُدًى فِي الْحُكْمِ والنُّهَى وَاَلْأَمْرِ
فَمَن قَالَ لَا قُلْنَا بَلَى إِنَّ أَمْرَهُ *** لَأَفْضَل مَا نُعْطَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ
وَمَا لِابْنِ هِنْدٍ بَيْعَةٍ فِي رِقَابِنَا *** وَمَا بَيْنَنَا غَيْرُ الْمُثَقَّفَةِ السّمَرِ
وَضَرْبٌ يُزيلُ الْهَامَّ عَنْ مُسْتَقرِّهِ *** وَهَيْهَاتَ هَيْهَاتَ الرِّضَا آخِر الدَّهْرِ
أَبَتْ لِي أَشْيَاخَ الْأَرَاقِمِ سُبَّةً *** أَسُبَّ بِهَا حَتَّى أَغيبَ فِي الْقَبْرِ
وشمت أهل الشام بأهل العراق ، وقام الناس إلى الإمام علي (عليه السلام) فقالوا : "أجب القوم إلى ما دعوك إليه فإنا قد فنينا" . وذكروا أنّ الناس ماجوا وقالوا : "أكلتنا الحرب وقتلت الرجال" . وقال قوم : "نقاتل القوم على ما قاتلناهم عليه أمس" . ولم يقل هذا إلّا قليل من الناس. ثم رجعوا عن قولهم مع الجماعة ، وثارت الجماعة بالموادعة . فقام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : «أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ أَمْرِي مَعَكُمْ عَلَى مَا أُحِبُّ إِلَى أَنْ أَخَذَتْ مِنْكُمْ الْحَرْب ، وَقَدْ وَاللَّهِ أَخَذَتْ مِنْكُمْ وَتَرَكَتْ ، وَأَخَذَتْ مِنْ عَدوِّكُمْ فَلَمْ تَتْرُكْ ، وَإِنَّهَا فِيهمْ أَنْكَى وَأَنْهَكَ . أَلّا إِنِّي كُنْتُ أَمْسِ أَمِيراً فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَأْمُوراً ، وَكُنْتُ نَاهِياً فَأَصْبَحْتُ الْيَوْمَ مَنْهِيّاً ، وَقَدْ أَحْبَبْتُمُ الْبَقَاءَ وَلَيْسَ لِي أَنْ أَحْمِلَكُمْ عَلَى مَا تَكْرَهُونَ» .
وكان أمير المؤمنين علي (عليه السلام) إذا قنت في الصلاة يقول : «اللَّهُمَّ العَنْ مُعاويَةَ وَعَمرًا وَأَبَا مُوسَى وَحَبِيبَ بْنْ مَسْلَمَة وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ خَالِدٍ وَالضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ وَالْوَليدُ بْنِ عَقَبَةٍ» . فبلغ ذلك معاوية ، فكان إذا صلى لعن عليّاً وحسناً وحسيناً وابن عباسٍ وقيس بن سعد بن عبادة والأشتر (رضي الله عنهم ولعن الله معاوية) . وزاد ابن ديزيل أبا الأعور السلمي من أصحاب معاوية في القنوت . وروى ابن ديزيل أنّ أبا موسى كتب من مكّة إلى الإمام علي (عليه السلام) : "أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنِّي قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ تَلْعَنُنِي فِي الصَّلَاةِ وَيُؤْمنُ خَلْفَكَ الْجَاهِلونَ ، وَإِنِّي أَقُولُ كَمَا قَالَ مُوسَى : رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ" . ومن هذا يتبين أنّ الأشعري لم يتوب عن ما فعله من ضياعٍ للحقِّ وأهله بعد أن أؤتمن فخانهم .
avp rqdm luh,dm fk Hfd stdhk ,pvf hg[lg ,wtdk lsgl Hwphf lwv l,sn grd hggi hglclk hg`d hgfghym hgjhvdo hgjd hgpg hgp]de hgodv hgpv hgpsk hgv] hgvpdg hgvuf hgwghm hgwphfm hgwpdp hgsdvm hguhgl hg, hgkf,m hgkihdm hg'vdr hgrvNk hg;vdl f]v fdu vlqhk vpdg vshgm stv skm .,[ ugl ulvd ulv, yvdf kfd kaH krg 'hgf ;hlg ;jf ;at