[gdwl]
إِنَّ المعلوماتِ والقَوَاعِدَ التي يتلقَّاها الأبناءُ في محاضِنِ التربيةِ وَأَماكِنِ التعليمِ ، تَبقَى رَسُومًا جَامِدَةً لا حَيَاةَ فيها ولا حِرَاكَ ، فإذا هَيَّأَ اللهُ لها مَن يَنفُخُ فيها رُوحَ التَّطبيقِ مِن أبٍ أو أخٍ كبيرٍ أو مدرس ، آتَت ثمارَها وظَهَرَت آثارُها ، وَرَسَخَت في أذهانِ الطلابِ وعُقُولِهِم رُسُوخَ الجبالِ الراسيةِ ، وَأَمَّا إِذَا كان المعلمون يَبنُونَ كُلَّ يَومٍ لَبِنَةً ـ وهي وللأسفِ ضَعِيفةٌ ـ ثم يَهدِمُ المجتمعُ أَلفَ لَبِنَةٍ بما يَرَاهُ المتعلمُ عَلَيهِم مِن مخالفاتٍ لما تَعَلَّمَه ، فَأَنَّى لِبُنيانِ العِلمِ يَومًا أَن يَقومَ ويَرتَفِعَ ؟ وَكيفَ لِصرحِ الأَخلاقِ والآدَابِ أَن يَصلُبَ ويَشتَدَّ ؟
متى يَبلُغُ البُنيَانُ يَومًا تَمَامَهُ *** إِذَا كُنتَ تَبنِيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ
أَرَى أَلفَ بَانٍ لا تَقُومُ لِهَادِمٍ *** فَكَيفَ بِبَانٍ خَلفَهُ أَلفُ هَادِمِ
كَيفَ يحافِظُ الولدُ على الصلاةِ وَأَبوهُ لها مِنَ المهملين ؟ كيف يخِفُّ لأداءِ صلاةِ الفجرِ مَعَ الجماعةِ وأبوه عنها مِنَ المتكاسلين ؟ متى يَتَعَلَّمُ الصِّدقَ في القَولِ والوَفَاءَ بِالوَعدِ ، وهو يَرَى وَالِدَهُ يَكذِبُ ويخُلِفُ ؟ متى يَعي حُرمَةَ الغِشِّ وَوَالِدُهُ يَغُشُّ في بَيعِهِ وشِرائِهِ ومعاملاتِهِ ؟ وَمَن هذا الطالبُ الذي سَيُكرِمُ جَارَهُ ، وَوَالِدُهُ وجارُهُ مُتلاحِيَانِ مُتَخَاصِمَانِ ؟ وَأَيُّ طَالِبٍ سَيُطَبِّقُ مَا تَعَلَّمَهُ عَن صِلَةِ الرَّحِمِ ، وَأَبوهُ مُصارِمٌ لأَخيهِ مُقاطِعٌ لِبَني عَمِّهِ وأقاربِهِ ؟ وهل سَيَعرِفُ أبناؤُنا حُقُوقَ إِخوانِهِم المسلمين ، أو يقدرون أَنظِمَةً ويَعمَلُون بِتَعلِيمَاتٍ ، أو يحافظون على مُقَدَّراتٍ ، وَنحنُ نُعَوِّدُهُم عَلى أَضدَادِ ذلك ؟!! إِنَّهُ لأَمرٌ يَتَقَطَّعُ منه القَلبُ أسًى ، أَن نَكونَ ـ نحنُ الأَوليَاءَ ـ أَوَّلَ العَقَبَاتِ التي يَصطَدِمُ بها أَبناؤُنا بَعدَ خُرُوجِهِم مِن مُؤَسَّسَاتِ التعليمِ ومَعَاهِدِ الدِّرَاسةِ ، حتى لَكَأَنَّنَا نَقُولُ لهم بِلِسانِ حَالِنا : يَكفِيكُم حِفظُ مَا تَعَلَّمتُمُوهُ في عُقُولِكم ، ثم تفريغُهُ على أوراقِ الإجابةِ في الاختباراتِ ، ولا يهمُّنا بَعدَ ذلك طَبَّقتُمُوهُ أَم أَهملتُمُوهُ !!
وَأَمَّا حِينَ يَكونُ المعلمُ هو أَوَّلَ الهادِمِينَ ، بما يَلحَظُهُ طلابُهُ مِن فَرقٍ بَينَ مَا يَقُولُهُ في المدرسةِ وما يَعملُهُ خارجَها ، وبما يَرَونَهُ مِن مُفَارَقَاتٍ بَينَ أَوَامِرِهِ المِثالِيَّةِ مُعَلِّمًا في الفصلِ ، وَتَصَرُّفاتِهِ المُغايِرَةِ مُوَاطِنًا يمشِي في الشَّارِعِ أو في السوقِ ، وكأنه لا يَعرِفُ ممَّا كان يُلقِيهِ في دُرُوسِهِ شَيئًا ، فَإِنَّ تِلكَ هي أَكبرُ خَطِيئةٍ يَرتكِبُها في حَقِّ مجتمعِهِ ، وَأَعظَمُ ذَنبٍ يَقترِفُهُ ويُهَوِّنُُ على طلابِهِ اقترافَهُ .
يا أيها الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ *** هَلاَّ لِنَفسِكَ كان ذَا التَّعلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَا *** كَيمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنتَ سَقِيمُ
وَنَرَاكَ تُصلِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا *** أَبَداً وَأَنتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ
اِبدَأْ بِنَفسِكَ فَانهَهَا عَن غَيِّهَا *** فَإِذَا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقبَلُ مَا تَقُولُ وَيُقتَدَى *** بِالعِلمِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَّعلِيمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ وَتَأتيَ مِثلَهُ *** عَارٌ عَلَيكَ إِذَا فَعَلتَ عَظِيمُ
مقتطف بتصرف من بحث الباحث المقتدر
عبدالله البصري
[/gdwl]
hgr],m lsgl hgl]vsm hggi hg`d hgjd hg, jugl jugdl 'hgf