عرض مشاركة واحدة
قديم 02-05-2008, 07:17 PM   #2

bayood غير متواجد حالياً
 
الصورة الرمزية bayood
 
تاريخ التسجيل: Aug 2006
الدولة: casa
المشاركات: 3,807
معدل تقييم المستوى: 21
bayood قلم جديد

عرض ألبوم bayood

الإضافة

 خدمة إضافة مواضيعك ومشاركاتك  إلى المفضلة وإلى محركات البحث العالمية _ أضغط وفتح الرابط في لسان جديد وأختر ما يناسبك   

 

ملفي الشخصي  إرسال رسالة خاصة  أضفني كصديق

الزجل في المشرق العربي. تفيد المصادر التاريخية بأن الدوائر الثقافية في المشرق العربي تابعت إنجاز روّاد الزجل الأوّلين في الديار الأندلسية منذ ظهوره. ويبدو أن ظهور الزجل، بوصفه شكلاً من النَّظْم باللهجة الدارجة، لم يكن مُسْتغربًا بالنسبة للمشارقة. فقد كان لدى المشارقة أشكال أخرى من النظم باللهجات الدارجة. حيث كانت توجد أشكال من الشعر الشعبي (الجمعي، الفولكلوري) باللهجة العامية، كما ولّدت دوائر الخاصة أشكالاً من النظم بلهجاتها الدارجة، كالمواليا، والقوما، وكان وكان، والحماق.
ومنذ ذلك الوقت، احتفى المشارقة بهذا الشكل الجديد وأخذوا يتوسعون في النظم به. ولا نكاد نصل إلى القرن السابع الهجري حتى نجد أن الزجل قد شاع بين أدباء مصر والشام والعراق، وكأنما كان على كل مشتغل بفن القول أن يُدلي بدلوه، ويثبت مهارته في النظم بالزجل. وتتتالى أسماء من ينظمون الزجل من الأدباء والشعراء منذ ذلك الحين، فنقرأ عن: علي البغدادي (ت684هـ) في العراق، وابن النبيه (619هـ) وابن نباتة (ت 718هـ) في مصر، وأحمد الأمشاطي (ت 725هـ) وعلي بن مقاتل الحموي (761هـ) في الشام، وغيرهم.
ومن ثَمَّ صار نظم الزجل أمرًا مقبولاً في البيئة الثقافية، وأصبح فقرة مرغوبًا فيها في مجالس الأدب. وهكذا انضم الزجالون إلى البلاط الأدبي لأمراء وسلاطين العصر المملوكي في مصر والشام، حتّى صار من الزجالين مَن تولىّ الوزارة، مثل: محمد بن سليم المصري (ت 707هـ) وابن مكانس القبطي (794هـ).
الزجل في مصر. يُجمع دارسو الأدب العربي ومؤرخوه على أن الديار المصرية هي التي هيّأت للزجل موئلا كفل له الاستقرار والاستمرار. ففي مصر، اتسعت حركة الزجل وتنوّعت مجالات النظم به. وفيها عكف ناظمو الزجل على تجويده وتنمية قوالبه وأساليبه الفنية. وفيها ظهر من ناظمي الزجل مَن انقطع لتأليف الأزجال وأصبح مختصًّا به ومتفرغًا له. ومن أوائل الزجالين الذين اشتهروا بذلك: إبراهيم الحائك المعمار (ت 749هـ) ثم أبوعبد الله الغباري (ت 762هـ).
تاريخ الزجل ونقده. كان لظهور الزجل وانتشار النظم به أثرهما، ليس على المستوى الإبداعي فحسب، بل على مستوى الكتابة حول الزجل أيضًا، وذلك بتناول جوانب من تاريخه أو ظواهره أو قواعد نظمه أو خصائصه الغنية أو دوره الاجتماعي.
والفاحص للمؤلفات العربية التي وصلتنا منذ القرن السادس الهجري، وخاصة المؤلفات التي عنيت بالحركة الأدبية والفنية، يجد مادة تاريخية مفيدة حول الزجل والزجالين. ومع أن تجميع هذه المادة وضمها يساعدنا في تكوين تصوّر عن ظهور الزجل ونموّه، إلا أنها تظل في حدود الإشارات غير الوافية.
ولكن، ولحسن الحظ، يصلنا من القرن الثامن الهجري مصدر أكثر استقصاء، وهو كتاب العاطل الحالي والمرخص الغالي لمؤلفه صفيّ الدين الحِلِّي (ت 750هـ). انظر: العاطل الحالي. وقد مارس المؤلف نظم الزجل واحتك بالزجالين خلال تجواله الطويل بين حواضر مصر والشام والعراق. وقد هيأ له كل هذا إمكانية نقل كتابته من مستوى إيراد المعلومات والأخبار إلى مستوى التأريخ لحركة الزجل حتى أيامه، والاجتهاد في تأسيس قواعد لنظم الزجل. ومن بدايات القرن التاسع الهجري يصلنا كتاب آخر، يتابع العاطل الحالي، وهو كتاب بلوغ الأمل في فن الزجل لمؤلفه ابن حجة الحموي (ت 837هـ). وابن حجة، أيضًا، كان ينظم الزجل وخالط الزجالين متنقلا بين الشام ومصر. وما زال الكتابان مصدرين يرجع إليهما الدارسون لتاريخ الزجل وقواعد نظمه.
أما في العصر الحديث، فقد كان لانتشار الزجل وصلته بالحركة الوطنية أثرهما في تنامي الكتابة النقدية حول الزجل. فظهرت مقالات تعريفية في الصحف والمجلات وفي مقدمات دواوين الزجالين. ثم خُصّ بعض الزجالين المتميزين بمقالات نقدية تبيّن دور أزجالهم ووسائلها البلاغية. ثم تصبح الكتابات النقدية حول الزجل أكثر تعمقا في الدوريات المتخصصة وبعض الأطروحات الجامعية، وخاصة أنه قد أسهم في الجدل حول الزجل ما أثاره الباحثون الأجانب من آراء ونظريات.
الزجل في العصر الحديث. مع قيام النهضة العربية الحديثة، انتقل الزجل إلى طور جديد. فقد تبنى الزجل فئة من المثقفين الذين كانوا فصيلاً في حركة النهضة الوطنية. وقد جهدوا في تنمية أدوات الزجل ووسائله الفنية للاستفادة من إمكاناته في تيسير توصيل أفكارهم إلى جمهورهم المُبْتَغى، وهو جمهور أوسع، ولاشك، من دائرة مثقفي الخاصة. كما عملوا على تخليص الزجل من الركاكة والتكلُّف اللذين رانا عليه من عهود الانحدار السابقة، وعلى فك إساره من أيدي فئة الأدباتية الذين تدنوا به إلى مستوى استخدامه في التسوّل والابتزاز.
وبنهاية القرن الثالث عشر الهجري، تتابعت سلسلة من أسماء الرواد الثقافيين الذين طوعوا الزجل في اتجاهات متنوّعة. ومن أعلام هذه السلسلة المتواصلة: عبدالله النديم، ويعقوب صنّوع، ومحمد عثمان جلال. أما خير ممثل لتمام النقلة النوعية التي انتقلها الزجل فهو محمود بيرم التونسي (ت1380هـ). انظر: التونسي، محمود بيرم. وهو الذي أعلى من مكانة الزجل في الحياة الثقافية، وأكسبه قدرات فنية مكّنته من الامتداد إلى آفاق جديدة. وعلى يديه تكاملت الجهود في جعل الزجل أداة درامية مقبولة في الوسائط المستحدثة: في المسرح الغنائي أو في حلقات الإذاعة المسموعة والمرئية.
وفي سياق حركة الزجل الناشطة هذه، استفاد الزجل من الإمكانات المتجددة للطباعة والنشر واتساع قاعدة القارئين. فتوالى نشر دواوين الزجالين، وعنيت بعض الصحف بنشر الأزجال، وصدرت بعض الدوريات التي تعتمد على المادة الزجلية في المقام الأول.
غير أن اسم الزجل لم يحظ بالذيوع والتكرار إلا على أيدي الكُتَّاب والإعلاميين في لبنان، وخاصة في ثمانينيات القرن الرابع عشر الهجري. وهم لا يستعملون الاسم ليدل على المصطلح المحدد بشكل من النظم بعينه، وإنما استعملوه لكي يشير إلى كل نظم باللهجات اللبنانية المحلية. وهكذا انطوى تحت هذا الاسم: العتابا والميجنا واليادي يادي والروزانا والموال، بل والأشكال الفولكلورية كهدهدة الأطفال وأغاني العمل، وأيضًا الشعر الحديث الذي ينظمه المثقفون بالعامية، فاعتُبر إنتاج شعراء مثل ميشال طراد وأسعد سابا من الإنتاج الزجلي. وإمعانًا في تأصيل خصوصية الزجل اللبنانية قيل: "إن الزجل سرياني اللحن في أول عهده، وعربيُّه فيما بعد".
ومثل هذا الحماس والتوسّع والأقوال المرسلة، وإن كانت مظهرًا من مظاهر الاهتمام بالزجل، إلا أنها كانت مثارًا للخلط واضطراب المفاهيم، الأمر الذي آذن بتراجع الزجل ووقوفه الآن موقف الدفاع في مواجهة مؤثرات الحياة الثقافية العربية الحالية، وإن بدا بعضها متناقضًا. ويبرز أهمها، بالنسبة للزجل، في المؤثرات التالية:

1- حملة دُعاة الفصحى ضد كل أشكال التعبير باللهجات الدارجة أو العامية.

2- الالتفات إلى المأثور الشعبي (الجَمْعِي، الفولكلوري)، وخاصة الجانب القولي منه، وعلى الأخص بعض أشكال النظم منه.

3- تركيز مثقفي كل قطر عربي على شكل بعينه من أشكال النظم في إحدى اللهجات الدارجة في جهة من جهاته، واعتباره حاملاً لخصائص القطر المتميزة ومعبرًا عن ذاتيته المتفردة. كما حدث، مثلاً، مع الشعر النبطي في المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج العربية.

4- ظهور الاتجاه الجديد في النظم باللهجات الدارجة، والذي عُرف باسم شعر العامية، الذي يبتعد عن أرض الزجل وأضرابه متحركًا نحو أرض الشعر الحُرّ المعاصر.

الشعر النَّـبَطي. شعر عربي ملحون، خرج على سنن العرب في كلامهم، حافل بالأصوات والمفردات والتراكيب الشعبية الدارجة. وهو أشهر أنواع الشعر غير الفصيح وأكثره انتشارًا في شمال الجزيرة وعلى ألسنة سكانها. وقد سمي بالنبطي تشبيهًا له بكلام النبط لخروجه عن سنن العربية فكأنه كلام النبط الذي يلحنون به ولايقيمون إعرابه.
وقد انتشر هذا النوع من الشعر في الجزيرة العربية منذ قرون بعيدة وبدأ نظمه على ألسنة الشعراء البارعين في جميع الأحوال. وإذا كان صفي الدين الحلي (ت 750هـ) وابن خلدون (ت 808هـ) قد ذكرا أنواعًا من الشعر غير الفصيح وذكرا أسماء ماكان معروفًا في زمانهما، فإن النبطي تسمية حادثة بعدهما لم يذكراها فيما ذكرا من الأسماء. ويظهر أن التسمية بدأت في الجهة الشمالية المجاورة للعراق لقربها من الأنباط وبدأت تعرف؛ لانتشار الشعر بسرعة. وأول من عرف من شعراء الشعر النبطي في القديم أبو حمزة العامري من الأحساء وراشد الخلاوي، وقطن بن قطن من أهل عمان، ورميزان وجبر بن سيَّار من أهل نجد وبركات الشريف وبديوي الوقداني من أهل الحجاز وحميدان الشويعر من أهل الوشم (القصب) والهزاني من أهل (العقيق) الحريق. وفي القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريَّيْن، انتشر الشعر النبطي انتشارًا واسعًا في جزء كبير من الجزيرة العربية وكثر الشعراء الذين يحسّنونه وقوي في كل مكان وعلى كل لسان، وبلغ الغاية في سرعة الانتشار في العصر الحاضر. وبرع فيه شعراء كثر منهم: جهز بن شرار، وابن سبيل، وشليويح العطاوي، ورشدان بن موزة، ولافي العوفي ومحمد بن لعبون وغيرهم. انظر: ابن لعبون، محمد. وكل هؤلاء عاشوا في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري. ثم جاءت بعدهم طائفة من الشعراء الشباب المعاصرين منهم: الأمير محمد السديري وسمو الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز (ابن الملك فيصل) والحميدي الحربي، وبندر بن سرور، وخلف بن هذال، وسبيل بن سند، وبدر الحويفي، وابن عبَّار العنزي، وكثيرون غيرهم.
أقسام الشعر النبطي. ينقسم الشعر النبطي إلى فنِّ القصيد، وفنِّ الرد أو الحوار. وفي كل فنِّ، برز عدد من الشعراء المجوِّدين.
مضامين الشعر النبطي. الشعر النبطي يحمل كل المضامين التي عرفها الشعر الفصيح وعبر عنها العرب الفصحاء، وكل فنِّ وُجِد في الشعر القديم المعرب وُجد في الشعر النبطي واحتفظ بكل عناصر الشعر العربي إلا الإعراب وبحور الخليل، فقد تخلَّى شعراء النبط عنهما إلا أنهم أحدثوا أوزانًا جديدة يستقيم بها جرس الشعر النبطي ويعرفون بها الشعر الموزون المقفى من غيره. وأغلب شعراء النبط في القصيد يلتزمون في البيت قافيتين، فيقفَّون الشطر الأول من البيت بقافية والشطر الثاني بقافية أخرى مثل قول رشدان بن موزة:
يا الله يا فرَّاج ياراع الأفراج يامْبدِّل عسر الليالي بِلِين
تفرّج لمن بيتُه على جَال مِسْهاج كنَّه خلاوي ماش حوله قطيني

ويتناول الشعر المدح والرثاء والهجاء والغزل ووصف الكرم والشجاعة وكل موضوعات الفخر وغيرها ولكن بلغة عامية. وهذه المعاني تأتي في القصيد الذي يحسنه الشعراء في الحجاز ونجد وشمال الجزيرة كله وشرقها وغربها. ومن نماذج ذلك قول مشعان الهتيمي:
قول مشعان الهتيمي تفلهم قاف رجس بين الضلوع المغاليق
وَاحَيْرتي في مقعدي قيس ماتم قلب الهواوي يطرقنِّه مطاريق
خِلِّي طواني طَيَّة الثوبَ الأدهم وأنا طويته طي بير الزرانيق

ومثله قول جهز بن شرار:
يا غزيل جاني وجيته على الدرب جاني وأنا عجلان ماني بقرّا
يحوز من قصر العوالي على الزرب ويمشي على مشهاته اللِّي يورّا
بغيت أخمَّه مير ذلَّيت من حرب وأنا على درب الرَّدى ماتجرّا

أما فنُّ الرَّد أو الحوار فلا يعرف مثله في الشعر الفصيح، وصفته: أن يقوم شاعر ويقوم معه صفان من الناس، فينشد بيتين فيردد الصفان البيتين حتى يعترض الشاعر الآخر ويطلب منهما السكوت ثم يأتي ببيتين آخرين يشاكل معناهما معنى البيتين السابقين، فيقوم الصفان بترديدهما، فإن كان البيتان الأولان مدحًا تبعهما الشاعر الثاني، وإن كانا هجاءً تبعهما أيضًا... إلخ. وهذا الفنُّ لا يحسنه إلا القليل، ومنشؤه في الحجاز وفرسانه هناك (الحجاز مابين الحرمين وما حولهما) لأنه يقوم على أسس معرفية، وأعراف اجتماعية مرعية، وبيئة تشجِّعه. كما يقوم على الذكاء اللمَّاح، وسرعة البديهة، واستحضار الحال، وتضمين أشياء بعيدة عن الفهم المباشر والدلالة السطحية للكلمات. وتكون قدرة الشاعر في استعمال الإيحاء والإيماء البعيد للمعنى مؤثرًا في جودة الشعر، وتزيد إعجاب الناس بالشعر وبالشاعر وترجح كفَّته على مناقضه ويقع الإقرار بشاعريته. ولهذا الفن قوانين يحترمها الجميع، ولا يجلب الهجاء في الملعب عـداوة بين الشـعراء في الغالـب. وإذا لم يحـسن الشاعـر ـ أي أحد المتناقضين ـ المعنى المراد البعيد للشاعر الأول ولم يأت على معنى الشعر الأول بما يطابقه أو يوافقه، عد غير قادر ولو قال في كل ثانية بيتًا، وقد يشتكي منه حتى مناقضه كأن يقول مثل ما قال مهيل الصاعدي:
عميلي حاور الوادي وأنا أَدُوْرُه مع الضّلعان ودوِّرْ صاحبي يالين حال الموج من دونه
دخيلك يافلان إنك تُعدلْ لي لحون فلان عليك تعد له وإلا على المعنى تردونه

يعني أن مناظره قد ذهب بعيدًا عن معناه الذي يريد. وقد يكون المعنى كناية عن أشياء لا يود الشاعر التصريح بها ولا يكون في ملعبة ومُزَيَّنْ كما قال السلمي:
يا ضلع ضلع الحيا يا اللي عشاك النبات فيك الوروش أعجبتني وأدخلتني معك في دينها
يا ضلع ياضلع مرعاية ثمان عنزات ثمان لا تنقص الديره ولا تخلف قوانينها

وهو يخاطب امرأة فترد المرأة:
معزاك معزاك يا ابن احليس لاتعرض بها للثقات من خوف حذفه تجي ويحطها الله في مضانينها
إما كلَّهنْ وإلا غَدَنَّ الأربع الأولات صارت حسوفه على النَشَّاد والرِّعيان كانينها

ومن أشهر شعراء هذا اللون الذين ذهبوا لافي العوفي والجبرتي وابن مسعود، ومن الشعراء الأحياء صيَّاف الحربي، ومطلق الثبيتي، ومستور العصيمي، وغيرهم.
نبذة تاريخية. اللغة كائن متغير متبدل. واللغة العربية الفصحى تعرضت للتطوّر والتغير، ومضى عليها زمن طويل منذ وضعت قواعدها وقنّن نظام الإعراب والنحو والصرف فيها. وتتابعت عليها عصور من التقلبات أكثرها أثرًا على اللغة خروج العرب من جزيرتهم واختلاطهم بغيرهم من الأمم؛ حيث بدأت اللغة العربية تنتشر في الآفاق وتحل حيث حل العرب، وتسير حيث ساروا، وتصارع اللغات الأخرى فتؤثر وتتأثر.
ومع مرور الزمن، نشأت العجمة واضطربت الألسن وانحرفت عن العربية الفصحى وأصابها التغيّر، فظهرت العامية في الكلام وفي الشعر منذ زمن بعيد، وسجل الأدباء والمؤرخون بدء العامية في الشعر والغناء على ألسنة العرب الذين بعدوا عن فهم الفصيح وفشت العامية في كلامهم عندما اختلطوا بغيرهم من الأمم، فاضطربت سليقتهم الفصحى ولكن بقيت شاعريتهم، فنظموا الشعر باللغة العامية التي غلبت على ألسنتهم، وقد وصف ذلك ابن خلدون في مقدمته بقوله: ¸اعلم أن الشعر لا يختص باللسان العربي فقط، بل هو موجود في كل لغة سواء كانت عربية أو عجمية... ولما فسد لسان مضر ولغتهم التي دونت مقاييسها وقوانين إعرابها وفسدت اللغات من بعد بحسب ماخالطها ومازجها من العجمة، فكان لجيل العرب بأنفسهم لغة خالفت لغة سلفهم من مضر في الإعراب جملة، وفي كثير من الموضوعات اللغوية وبناء الكلمات. وكذلك الحضر في الأمصار، نشأت فيهم لغة أخرى خالفت لسان مضر في الإعراب وأكثر الأوضاع والتصاريف وخالفت أيضًا لغة الجيل من العرب لهذا العهد... ثم لما كان الشعر موجودًا بالطبع في أهل كل لسان... فلم يهجر الشعر بفقدان لغة واحدة وهي لغة مضر الذين كانوا فحوله وفرسان ميدانه حسبما اشتهر بين أهل الخليقة بل كل جيل. وأهل كل لغة من العرب المستعجمين والحضر أهل الأمصار يتعاطون منه مايطاوعهم في انتحاله ورصف بنائه على مهيع (طريقة) كلامهم. فأما العرب أهل هذا الجيل المستعجمون عن لغة سلفهم من مضر، فيقرضون الشعر لهذا العهد في سائر الأعاريض على ماكان عليه سلفهم المستعربون ويأتون منه بالمطولات مشتملة على مذاهب الشعر وأغراضه من النسيب والمدح والرثاء والهجاء، ويستطردون في الخروج من فنِّ إلى فنِّ في الكلام. وربما هجموا على المقصود لأول كلامهم، وأكثر ابتدائهم في قصائدهم باسم الشاعر ثم بعد ذلك ينسبون. فأهل المغرب من العرب يسمّون هذه القصائد بالأصمعيّات... وأهل المشرق من العرب يسمّون هذا النوع من الشعر بالبدوي والحوراني والقيسي·.
وقد اختلفت تسميات غير الفصيح من الشعر منذ زمن بعيد فعرف الدوبيت، والزجل، والمواليا، والكان كان، والحماق، والحجازي، والقوما، والمزنَّم، وكل هذه الأسماء كانت لغير المعرب من الشعر. هذه الأسماء تختلف من مكان إلى آخر. وقد بَيَّن الإمام صفي الدين الحلي الفرق بينها في كتابه العاطل الحالي والمرخص الغالي.
أما في العصر الحديث فللشعر غير الفصيح أسماء كثيرة منها النبطي، والشعبي، والملحون، والحميني، والبدوي، والعامي، وغير ذلك من الأسماء. وأعمّها في الوقت الحاضر الشعبي. وفي الجزيرة العربية خاصة، يعرف الشعر العامي بالشعر النبطي.
والشعر النبطي كان مشافهة غير مدوّن وغير منشور حتى العصر المتأخر. وأول من دوَّنه وأرَّخَ له ولشعرائه خالد الفرج في كتابه ديوان النبط، ثم عبد الله بن خالد الحاتم في كتابه خيار مايلتقط من شعر النبط ثم كثرت الكتب عن هذا اللون من الشعر النبطي وكثرت دواوين الشعراء، وأغلب ماينشر اليوم ليّن ضعيف يختلف عما كان عليه الشعر النبطي القديم. انظر: الفرج، خالد.
شكرا لك أختي مروى على الموضوع الرائع
جاري التثبيت


 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 13 14 15 16 17 18 19 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 42 43 44 45 46 47 48 56 58 63 65 66 69 70 76 77 84 85 86 88 91 95 104 106 111 112 118 119 120 122 123 124 128 137 138 139 141 143