فضل : ( مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ ) السؤال أخرج الترمذي في سننه عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها ، فما المقصود بترك اللباس؟ وهل يقصد بها الغالي والنفيس وما الضابط في ذلك ؟ الجواب ذات صلة الحمد لله. أولا : روى الترمذي (2481) وحسنه ، وأحمد (15631) ، والحاكم (7372) عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الجُهَنِيِّ ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا ) وصححه الحاكم ، ووافقه الذهبي . وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي"، وكذا حسنه محققو مسند الإمام أحمد . ومعنى الحديث : أن من ترك لبس الثياب الحسنة النفيسة غالية الثمن ، وهو يقدر على ذلك ؛ تواضعا لله ، دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق ، وخيره من حلل الإيمان يلبس من أيها شاء ، جزاء له على تواضعه لله ، وزهده في الدنيا ، وبعده عن الخيلاء والتكبر والإسراف . قال الترمذي رحمه الله عقب روايته : " وَمَعْنَى قَوْلِهِ : (حُلَلِ الإِيمَانِ): يَعْنِي : مَا يُعْطَى أَهْلُ الإِيمَانِ مِنْ حُلَلِ الجَنَّةِ " انتهى . وقال المناوي رحمه الله : " (من ترك اللبَاس) أَي : لبس الثِّيَاب الْحَسَنَة المرتفعة الْقيمَة (تواضعا لله) أَي : لَا ليقال : إنه متواضع أَوْ زاهد وَنَحْوه ، والناقد بَصِير (وَهُوَ يقدر عَلَيْهِ : دَعَاهُ الله يَوْم الْقِيَامَة على رؤوس الْخَلَائق) ، أَي : يشهره بَين النَّاس ويناديه (حَتَّى يخيره من أَي حلل الايمان شَاءَ يلبسهَا) " . انتهى من "التيسير" (2/ 409) . وقال ابن علان رحمه الله : " (من ترك اللباس) أي أعرض عنه (تواضعاً) وتركاً لزهرة الحياة الدنيا (وهو يقدر عليه) أما التارك للعجز فلا . نعم : إن عزم أنه لو كان قادراً عليه لأعرض عنه تواضعاً ، أثيب على نيته (دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق) زيادة في تشريفه (حتى يخيره من أي حلل الإيمان يشاء) ، و"حتى" غاية لمقدر: أي وينشر تشريفه ثمة (أي : هناك) بأنواع الشرف ، إلى أن يخيره بين حلل أهل الإيمان المتفاوتة المقام، فيختار الأعلى ، وقوله : (يلبسها) جملة مستأنفة لبيان القصد من التخيير فيها " انتهى من "دليل الفالحين" (5/ 284) . فالمقصود بترك اللباس : ترك ارتداء الثياب الغالية الثمن النفيسة ، التي لا يقدر على شرائها إلا الأغنياء . وضابط هذا : العرف ، فكل ما كان من الثياب في عرف الناس وفي أسواقهم فاخرا مرتفع القيمة ، لا يقدر على شرائه إلا الأغنياء : فهو من ذلك . وقد يختلف هذا من مجتمع إلى مجتمع ، ومن بلد إلى بلد ، فقد يكون الثوب نفيسا في بلد لا يقدر عليه أوساط الناس ، ويكون الثوب نفسه في بلد آخر في متناول الجميع . ثانيا : هذا لا يعني أن لبس الثياب الحسنة مذموم ، وأن الرجل كلما كان ثوبه رثا ، كان أكمل إيمانا ، وأعظم أجرا ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس من أنواع الثياب ، ويتجمل للوفود . روى مسلم (91) عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ) قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: ( إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ) . وقال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ يُحِبَّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ) رواه الترمذي (2819) وحسنه ، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" . قال القاري رحمه الله : " قَالَ الْمُظْهِرُ: يَعْنِي إِذَا آتَى اللَّهُ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِ الدُّنْيَا فَلْيُظْهِرْهَا مِنْ نَفْسِهِ، بِأَنْ يَلْبَسَ لِبَاسًا يَلِيقُ بِحَالِهِ، لِإِظْهَارِ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَلِيَقْصِدَهُ الْمُحْتَاجُونَ لِطَلَبِ الزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ، وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ : يُظْهِرُوا عِلْمَهُمْ لِيَسْتَفِيدَ النَّاسُ مِنْهُمُ اهـ. فَإِنْ قُلْتَ: أَلَيْسَ قد حَثَّ عَلَى الْبَذَاذَةِ؟ قُلْتُ: إِنَّمَا حَثَّ عَلَيْهَا ، لِئَلَّا يَعْدِلَ عَنْهَا عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَلَا يَتَكَلَّفُ لِلثِّيَابِ الْمُتَكَلِّفَةِ ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ فِي عَادَةِ النَّاسِ، حَتَّى فِي الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَصَوِّفَةِ، فَأَمَّا مَنِ اتَّخَذَ ذَلِكَ دَيْدَنًا وَعَادَةً ، مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْجَدِيدِ وَالنَّظَافَةِ، فَلَا ; لِأَنَّهُ خِسَّةٌ وَدَنَاءَةٌ " . انتهى من "مرقاة المفاتيح" (7/ 2783) . وعلى هذا ؛ فالمسلم يلبس الثياب الحسنة أو المتواضعة ، ويكون له نية حسنة في الحالتين ، فيثاب على ذلك ، ولكن الثياب الحسنة لها أحوال وأوقات تكون أنسب وأرغب فيها ، وللثياب المتواضعة أحوال وأوقات تكون أنسب وأرغب فيها ، والذي ينبغي لمسلم أن يراعي هذا ، فيفعل كل فعل في الوقت والحال المناسب له . ولذلك قال العلماء : إذا كان الرجل في بيئة متوسطة : فالأكمل في حقه لبس الثياب المتواضعة ، وترك لبس الثياب الرفيعة ، وإذا كان في بيئة ميسورة الحال : فالأكمل في حقه لبس الثياب الحسنة الرفيعة . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح الحديث الوارد في السؤال : " إذا كان الإنسان بين أناس متوسطي الحال لا يستطيعون اللباس الرفيع ، فتواضع ، وصار يلبس مثلهم ، لئلا تنكسر قلوبهم ، ولئلا يفخر عليهم ، فإنه ينال هذا الأجر العظيم . أما إذا كان بين أناس قد أنعم الله عليهم ، ويلبسون الثياب الرفيعة ، لكنها غير محرمة ، فإن الأفضل أن يلبس مثلهم ؛ لأن الله تعالى جميل يحب الجمال، ولاشك أن الإنسان إذا كان بين أناس رفيعي الحال يلبسون الثياب الجميلة ، ولبس دونهم ، فإن هذا يعد لباس شهرة . فالإنسان ينظر ما تقتضيه الحال : فإذا كان ترك رفيع الثياب تواضعا لله ، ومواساة لمن كان حوله من الناس : فإن له هذا الأجر العظيم . أما إذا كان بين أناس قد أغناهم الله ، ويلبسون الثياب الرفيعة : فإنه يلبس مثلهم " . انتهى من "شرح رياض الصالحين" (4/ 317) . والمقصود: أن الحديث يدل على الزهد والتواضع وعدم الإسراف ، ولكن لا يدل على ترك اللباس الحسن بالكلية ، واختيار الثياب الرثة دائما . وانظر للاستزادة جواب السؤال رقم : (97019) . والله تعالى أعلم . المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب |
رد: فضل : ( مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ ) جزاك الله خيرا لك كل الشكر والتقدير |
رد: فضل : ( مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ ) تحياتي أخي الحواط |
الساعة الآن 04:18 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
هذا الموقع يتسخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
جميع الحقوق محفوضة لموقع القلم الذهبي